٨ ـ التطور السريع
إنّ التطور السريع ، والتقدم الخارق لدين ما ، وإيجاده لتحول عظيم وواسع ، يمكنه أن يشكل قرينة اخرى على أصالته وحقانيته ، لأنّ تأثيراً كهذا يكون ممكناً فقط إذا كانت قواعد هذا الدين مستندة إلى فطرة الحياة وواقعياتها ، ومنطبقة مع قوانين الخلق والإبداع ، أي نفس القوانين المتحكمة بحياة البشر.
فالقانون غير الفطري ، وغير المنسجم مع التركيب النفسي والبدني للإنسان ، يتقدم بصعوبة بالغة ، وإذا تقدم فبسبب استخدام عوامل سلطوية مشددة ، فمثلاً في بداية دعوة الشيوعية لنفسها كان لها تقدم سريع ومثير ، ولكننا نعرف جميعاً أنّ ذلك تمّ باللجوء إلى استخدام القوّة وسفك الدماء والدكتاتورية الشديدة ، في حين أنّ التقدم الفكري السريع والعميق إذا جرى في عمق أفكار المجتمع كان دلالة على أصالته ، ونحن نعلم بأنّ الإسلام قد انتشر في مناطق شاسعة في القرون الاولى من ظهوره بدون أن تطأها أقدام حتى جندي مسلم واحد.
على كل حال إنّ الانتشار السريع للإسلام في ظاهر المجتمع البشري وباطنه ، وبمناطق شاسعة من هذا العالم ، وذلك في خلال برهة زمنية قصيرة أيضاً ، ليس بالشيء الذي يبقى خافياً على أحد ، والمثير أنّ هذا الدين ظهر في منطقة نصف متوحشة ، وبسط نفوذه على كل العالم المتمدن في ذلك الزمان وفي مدّة وجيزة.
وهذا النفوذ السريع والشامل لازال يشكل لغزاً مُحيّراً للمؤرخين الكبار من غير المسلمين ، وكنموذج على ذلك :
١ ـ عندما يصل مؤلفو كتاب (حضارة الغرب ومرتكزاتها في الشرق) وهم ثلاثة من العلماء الغربيين المعروفين ـ إلى فصل ظهور وانتشار الإسلام ، يعترفون بصراحة قائلين : «كل المحاولات التي جرت لمعرفة الإسلام وانتشاره السريع ـ إلى الحد الذي استطاع أن يبسط ظلاله على القسم الأعظم من العالم المتحضر آنئذٍ في أقل من قرن ـ وعلى الرغم من كل التفسيرات والتحليلات التي وردت عن هذه الحقبة التاريخية فلا زالت هذه القضية باقية على شكل لغز من الألغاز» (١).
__________________
(١) حضارة الغرب ومرتكزاتها في الشرق ، فصل ظهور الإسلام وانتشاره.