٢ ـ تفشي حالة الفقر الشديد بين الناس
في الوقت الذي بُعثَ فيه الرسول صلىاللهعليهوآله كان عرب الجاهلية غارقين في فقر شديد إلى الحد الذي كانوا يقتلون فيه أبناءهم ـ وحتى الذكور منهم أولئك الذين يشكلون الحجر الأساس لحياتهم المادية والاقتصادية ـ ليقللوا عدد الأفواه الجائعة ، قال تعالى : (وَلَاتَقتُلُوا اولَادَكُمْ خَشْيَةَ املَاقٍ نَّحنُ نَرزُقُهُمْ وَايَّاكُم) (١). (الإسراء / ٣١)
وقد جسّم أمير المؤمنين علي عليهالسلام هذا المعنى في تحليل جامع فقال عليهالسلام : «إنّ اللهَ بَعَثَ محمداً صلىاللهعليهوآله نذيراً للعالمين ، وأميناً على التنزيل وأنتم معشر العرب على شرِ دين وفي شر دار منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّات صُمٍّ ، تَشربونَ الكَدِرَ ، وتأكلونَ الجَشِبَ» (٢).
* * *
٣ ـ عباداتهم العجيبة
كانت عبادة المشركين غريبة للغاية ، ويجيب القرآن الكريم على ادّعاء المشركين الذين يزعمون : بأنّه إذا كان محمدٌ صلىاللهعليهوآله قد اتى بعبادات فإنّ لنا مثلها وكنا نصلي إلى جانب الكعبة كذلك ، فيقول القرآن : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُم عِندَ البَيتِ إِلَّا مُكَاءً وتَصدِيَةً). (الانفال / ٣٥)
نعم ، إنّهم يُسمّون صفيرهم الاحمق وتصفيقهم الأبله صلاةً ، «فالمكاء» يعني : صوت الطيور ، وجاء تشبيه أصوات العرب في الجاهلية حول الكعبة بصوت الطيور ، ربّما لأنّه خالٍ من أي مفهوم كصوت الطيور الذي لا محتوى فيه ، أو أن كل ماكان يفعلونه ما هو إلّا مجرّد غناء.
وأمّا «التصدية» فمعناها التصفيق ، وهو ضرب اليد على الاخرى والصوت الناتج من
__________________
(١) هناك احتمال أنّ هذه الآية إشارة إلى قتل البنات اللاتي ينظر إليهن المجتمع باحتقار ويعدهن لوحدهن مخلوقات وضيعة مستهلكة ولكن الاحتمال هنا يشمل الأولاد أيضاً لوجود ضمير جمع المذكر ولقوله تعالى «إن قتلهم كان خِطأً كبيراً) ويعود هذا الضمير إلى الأولاد في صدر الآية التي نزلت إمّا بخصوص الأولاد فحسب أو الأولاد والبنات على أقل تقدير وقد استخدم ضمير الجمع للمذكر لتغليب الذكور على الإناث.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٦.