الملك ، قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم ، فغضب النجاشي ثم قال : لاها الله إذا لا أسلمهم إليهما ولا يُكادُ قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى ادعوهم فاسألهم عمّا يقول هذان في أمرهم ، فإنْ كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. ثم أرسل إلى أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وأمرنا به نبيّنا صلىاللهعليهوآله فلما جاءوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم : ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم فيه ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟ فقال جعفر عليهالسلام : «أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته ، وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمر بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ... وأمرنا بالصلاة والزكاة ، والصيام ، فعدد علينا امور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ماجاء به من الله ... فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان فخرجنا إلى بلادك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نُظلم عندك أيّها الملك» ، فقال له النجاشي : هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟ قال جعفر : نعم ، قال النجاشي : فاقرأه عليّ ، فقرأ جعفر عليهالسلام كهيعص ذكِرُ رحمتِ رَبّكَ عَبْدهُ زكريا .... ، فبكى النجاشي حتى اخضلّت لحيته وبكى أساقفته حتى أخضلّت مصاحفهم ... فضرب النجاشي بيده على الأرض ، فأخذ منها عوداً ، ثم قال : «والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ هذا العود إنّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاةٍ واحدة ، إِنطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون».
فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به» (١).
__________________
(١) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٣٥٦ ، بشكل مُلخص.