أحاديثهم من أجل التوصل إلى حلاوة البيان وطراوته ؛ وعلى سبيل المثال يجعلون الطبقات السبع للأرض ستاً ، والطبقات السبع للسماء ثمانياً. لتصاعد غبار حوافر خيل العسكر ، في الصحراء أو وضع تسعة مقاعد من الفلك تحت قدميه ليصل إلى طول ركاب (قزل ارسلان) ، أو يجعلون من القلب بحراً ، ومن الدم ومن دمع العين نهر (جيحون) حتى قالوا :
لا تراوغ في الشعر وفي فنه |
|
لأن أكذبه هو أحسنه |
وعلى هذا الأساس فإنّ اعذب الشعر أكذبه ويشير التعبير القرآني في صدد الشعراء إلى أنّهم غالباً مايستغرقون في تخيلاتهم وتشبيهاتهم الشعرية : (الَم تَرَ أَنَّهُم فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ). (الشعراء / ٢٢٥)
غير أننا حينما نقرأ جميع آيات القرآن فلا نرى فيها أي نوع من المبالغة الكاذبة ، بالرغم من وجود كل الدقّة والجمال في الالفاظ والمعاني والتي تشترك في تبيين الحقائق.
ولهذا السبب نشاهد أنّ القرآن يبرىء ساحة نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله من تهمة الشاعرية ، وساحته أيضاً من تهمة الشعر (١).
نعم على الرغم من خلو القرآن من التخيلات الشاعرية والمبالغات والاستغراقات البعيدة عن الحقيقة الشعرية ، والتشبيهات والاستعارات الوهمية ، فلايحتوي إلّاعلى بيان الحقائق بصورة واقعية وقطعية ، بالرغم من كل ذلك نجده في عين الوقت في منتهى العذوبة والجاذبية بحيث استقطب البعيدين عن الإسلام بل حتى المخالفين للنبي صلىاللهعليهوآله وذكرنا أمثلة لذلك في البحث السابق عن جاذبية القرآن.
ومن الجدير بالذكر أنّ ما نقله التاريخ من أن كثيراً من الشعراء العرب عندما اصطدموا بفصاحة القرآن ، ارتضوا الإسلام طوع أنفسهم ، ومن جملة الشعراء الذين أسلموا تحت تأثير جاذبية القرآن هو (لبيد) الذي كان له في زمن الجاهلية احدى المعلقات السبع (وهي
__________________
(١) ينقل القرآن هذه التهمة عن المشركين في ثلاث آيات في سور : الأنبياء ، ٥ ؛ والصافات ، ٣٦ ؛ والطور ، ٣٠ ؛ وينفيها الله سبحانه وتعالى عن نبيه بصراحة في آيتين من سورة يس ، ٦٩ ؛ والحاقة ، ٤١.