ويقول في صدد الإيمان بنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله : (فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لَايَجِدُوا في انْفُسِهِم حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيَماً). (النساء / ٦٥)
وعلى هذا الأساس يعتبر الشرط الأساسي للإيمان الصادق التسليم ظاهراً وباطناً وسراً وعلانيةً ، إضافة إلى ايجاد الانسجام بين الرغبات الذاتية والأوامر النبوية الشريفة ، وبالرغم من كل هذه الصراحة والقاطعية نشهد اللطافة والدقة في العبارات بصورة كاملة أيضاً.
ونلاحظ هذه الحدية أيضاً بشكل واضح في المباحث الاخرى ، ذات العلاقة بالمبدأ أو المعاد ، والقوانين الاجتماعية ، أو المسائل المتعلقة بالحرب والصلح ، أو البحوث الأخلاقية ، والتي يتطلب شرح كل واحدة منها كتاباً مستقلاً.
٩ ـ المتانة والنزاهة في البيان : الأشخاص الاميون لا يعبأون بعباراتهم عادة وغالباً ما يستعينون بالجمل البعيدة عن الأدب والذوق من أجل التوصل إلى أداء مقاصدهم من الكلمات ، وبالرغم من أنّ القرآن ظهر في أوساط هذه الفئة من الناس ، إلّاأنّه لم يتأثر بتلك البيئة على الاطلاق ، وحرص على مراعاة منتهى المتانة والعفة في تعبيراته وهو ممّا أضفى على فصاحة القرآن وبلاغته طابعاً خاصاً.
وحينما يتصدى الخطباء والكُتّاب الكبار لحوادث العشق أو مسائل اخرى مشابهة ، فهم يضطرون لأن يطلقوا العنان لألسنتهم وأقلامهم كيفما شاؤا فيطرحون ألواناً كثيرة ومختلفة من التعابيرالمهيجة والمؤذية لرسم معالم الصورة الواقعية للأبطال الحقيقيين في القصة ، وإمّا أن يسدلوا ستار الغموض والإبهام على جانب من هذه الوقائع ـ مراعاةً للعفة والذوق العام ـ ويتحدثوا مع رقبائهم بشكل مغلق.
والجمع بين هذين الأمرين : أي رسم معالم الواقع بصورة كاملة ، وعدم تلوث القلم واللسان بكل ما يخدش العفة والآداب ، يعتبر أمراً في منتهى الصعوبة لا يؤديه إلّاالقليل.
فكيف يمكن أن نتصور شخصاً اميّاً ظهر في مجتمع متخلف متوحش يحدد المعالم الدقيقة كاملة للأوضاع القائمة ، ثم لا نجد في تعابيره أدنى معنى يخدش العفة والآداب ؛ وعلى سبيل المثال حينما يبدأ القرآن في وصف الوقائع الحساسة لقصة يوسف الواقعية وما