وفي آية اخرى عندما يصف أحاسيس نساء مصر ، حينما دعتهن زليخا إلى ضيافتها لتبرئة نفسها ، يقول في جملة مختصرة : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ اكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ ايْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً انْ هَذَا الَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ). (يوسف / ٣١)
ويدل تعبير (مَلَكٌ كَريمٌ) على مدى عفَّته ونقائه الفائقين فضلاً عن دلالته على مدى جماله المنقطع النظير ، وهذا مثل تعبيرنا عن عفة أحد الأشخاص عادة بأنّه مَلَك من الملائكة ، وكذلك توجد على أثر هذه الحوادث جمل تحتوي على قدر كبير من الفصاحة والجمال ، تدلل على عظمة ومقام يوسف بصورة كاملة ذلك المثل الأعلى في العفة والطهارة(١).
١٠ ـ أمثلة القرآن : يستخدم القرآن أمثلة كثيرة من أجل تبيان الحقائق وهي بأجمعها تجليات واضحة للفصاحة والبلاغة في هذا الكتاب الإلهي العظيم ، ممّا يبعث على اعتزاز الإنسان واعجابه الكبير ، وهي الادوات الدقيقة التي استخدمت في هذه الأمثلة والامور الصغيرة الجذابة الممتعة التي نلاحظها في كل واحد منها :
وممّا لا يقبل انكاره أساساً هو دور المثال في توضيح وتفسير البحوث ، ولهذا السبب لا يمكن الاستغناء عن ذكره في أي مبحث مهم ، لتوضيح الحقائق وتقريبها من الذهن.
فالمثال الجيد والمنسجم مع المعنى المقصود يمكن أن يؤدّي دور أحد الكتب أحياناً ، فيوضح المطالب المعقدة ويجعلها قابلة للفهم ، ولهذا يعتبر التمثيل من أحد الفنون التي يعتمد عليها الفصحاء والبلغاء والادباء والشعراء في العالم ؛ يقول الزمخشري في الكشاف في صدد (المثل) :
المثل في أصل الكلام معناه المِثْل ويعني النظير ... ولضرب الأمثال عندهم والتحدث بالأمثال والنظائر لدى العلماء شأن رفيع ذلك لأنّها ترفع الحجاب عن المعاني الخفية وتوضح النكات المبهمة بحيث يصبح الأمر المتخيل حقائق ويقع الشيء المتوهم مستيقناً في محله وتتجلى صورة الغائب على غرار صورة الشاهد ولهذه الجهة أورد الله تعالى أمثالاً كثيرة في كتابه القرآن المبين وسائر كتبه الاخرى (٢).
__________________
(١) لمزيد من الاطلاع يُراجع التفسير الأمثل ذيل الآية ٣١ من سورة يوسف.
(٢) أمثال القرآن ، ص ١٢٠.