لقد ذكرنا الاجابة عن هذا السؤال بالتفصيل في الجزء السابع في بحث عصمة الأنبياء ، ولابدّ من التعرض إليه باختصار : إنّ المعصومين يمتلكون نوعين من القابلية «قابلية ذاتية موهوبة» و «قابلية اكتسابية من خلال أعمالهم وملكاتهم الداخلية» ، ومن مجموع هاتين القابليتين اللتين لا تخلو إحداهما على أقل تقدير من صبغة اختيارية لتحصيل هذا المقام السامي ، وبتعبير آخر فإنّ المشيئة الإلهيّة توفر الأرضية للتوفيق من أجل بلوغ هذا المقام الشامخ ، واستثمار هذا التوفيق يتعلق بإرادتهم (تأملوا جيداً).
فترك الذنب بالنسبة لهم محال عادي لا عقلي ، فمثلاً ، محال عاديٌ أن يصطحب إنسان عالم ومؤمن الخمر إلى المسجد ويحتسيه بين صفوف الجماعة ، إلّاأنّه من المسلم به أنّ هذا الأمر ليس محالاً عقلياً ، ولا يتعارض مع كون هذا الفعل اختيارياً ، أو على سبيل المثال ، أنّ الإنسان العاقل لا يخرج إلى الزقاق والشارع عارياً كما ولدته امه أبداً ، فالقيام بهذا العمل ليس محالاً بالنسبة له ، بل مستوى تفكيره ومعرفته لا يسمح له بالقيام بمثل هذا الفعل وإن كان فعله وتركه باختياره.
وهكذا حالة ارتكاب الذنوب بالنسبة للأنبياء والأئمّة ، صحيح أنّ العصمة من الألطاف الإلهيّة ، بَيدَ أنّ الألطاف الإلهيّة تخضع لحساب ، كما يقول القرآن الكريم بشأن إبراهيم عليهالسلام : لن تنال منزلة الإمامة ما لم تفلح في الابتلاءات الإلهيّة (وَاذِ ابْتَلى ابْرَاهِيمَ ربُّه بِكَلِماتٍ ...) (١). (البقرة / ١٢٤)
وأمّا كلمة «الرجس» فتعني لغةً ، الشيء القذر سواء من ناحية كونه قذراً ومقززاً لطبع الإنسان ، أو بحكم العقل ، أو الشرع ، أو جميعها.
من هنا فبعد أن يفسر «الراغب» في «المفردات» الرجس بأنّه الشيء القذر ، يذكر له أربع حالات (نفس الحالات الاربع التي ذكر ت أعلاه من ناحية طبع الإنسان ، أو العقل ، أو الشرع ، أو جميعها) ، وإذا ما فسّر الرجس في بعض تعابير العلماء بالذنب أو «الشرك» أو
__________________
(١) للمزيد من الايضاح في مجال أنّ العصمة لا تتنافى واختيارية أفعال المعصومين راجعوا ، ج ٧ ، ص ١٥٥ وما بعدها من هذا التفسير.