٨ ـ الثقافة الحاكمة على الجهاز القضائي
يستفاد أيضاً من الصفات المذكورة للقضاة في هذا العهد نكات مهمّة جدّاً لم يُتطرق إليها بهذه الدقة في أي مذهب أو دين ، وتوضح جانباً من الثقافة الحاكمة على الأجهزة القضائية في الحكومة الإسلامية ، يقول عليهالسلام :
«ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النّاسِ افْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لا تَضِيقُ بِهِ الامُورُ ، وَلا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلا يَتَمادى فِي الزَّلَّةِ ، وَلا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيءِ الَى الْحَقِّ اذا عَرَفَهُ ، وَلا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلى طَمَعٍ وَلا يَكْتَفي بِادْنى فَهْمٍ دُوْنَ اقْصاهُ ، وَاوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ ، وَاقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُراجَعَةِ الْخَصْمِ ، وَاصْبَرَهُمْ عَلى تَكَشُّفِ الامُورِ وَاصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضاحِ الْحُكْمِ ، مِمَّنْ لا يَزْدَهيهِ اطراء ، وَلا يَسْتَميلُهُ اغْراء وَاولئِكَ قَليل!» (١).
* * *
٩ ـ الإرتباط المباشر مع الناس
الارتباط المباشر مع الناس ارتباطاً واقعياً وصحيحياً لا ظاهرياً تشريفاتياً ، من النقاط المهمّة الاخرى التي استند إليها في هذا العهد ، حيث يأمر الإمام عليهالسلام مالك الأشتر بعنوانه حاكماً مطلعاً على الثقافة الإسلامية بهذه الصورة :
«وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحاجاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فيه شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عامّاً فَتَتَواضَعُ فيه للهِ الَّذي خَلَقَكَ وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَاعْوانَكَ مِنْ احْراسِكَ وَشُرَطِكَ حَتّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَانّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ : «لَنْ تُقَدَّسَ امَّة لا يُؤْخَذُ لِلضَّعيفِ فيها حَقُّهُ مِنَ الْقَويِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ» (٢).
وقد أثبتت التجارب أنّ الارتباط غير المباشر بالشعب ، يكون سبباً لتزييف الواقع وعدم الإطلاع الكامل على الأوضاع الجارية ، غالباً ، وعدم حصول الضعفاء من النّاس على
__________________
(١) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.
(٢) المصدر السابق.