ضرورة الحكومة في الرويات الإسلامية :
تُعَدُّ مسألة ضرورة الحكومة ذات أهميّة وصدى واسع في الروايات الإسلامية ، وقد بيّنت تلك الروايات أنّه لا يمكن للناس العيش دون وجود الحكومة ، وأنَّ وجود حكومة وإن كانت ظالمة خير من الفوضى في غياب الحكومة.
وهنا لنرى نموذجاً من تلك الروايات ذات المعنى المذكور :
١ ـ عن أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة جواباً على ادّعاء الخوارج حين قالوا : «لا حُكم إلّالله» ، فقال عليهالسلام : «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ» ثم استطرد قائلاً : «نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلَّا للهِ وَلكِنَّ هؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَاإِمرَةَ إِلَّا للهِ ، وإِنَّهُ لَابُدّ لِلنَّاسِ مِن أَمِيرٍ بَرٍّ أَو فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِى امْرَتِهِ المُؤمِنُ وَيَسْتَمتِعُ فِيهَا الكَافِرُ ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الأَجَلَ وَيَجْمَعُ بِهِ الفَيءَ وَيُقَاتَلُ بِهِ العَدُوَّ ، وَتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ القَوِيِّ حَتَّى يَستَرِيحَ بَرٌّ وَيُستَرَاحَ مِن فَاجِرٍ» (١).
وبديهيٌّ أنَّ الإمام علياً عليهالسلام لم يَقصد من عبارة «أمير بَرّ أو فاجر» أنّ هذين متساويين ، بل قصد به أنّه لابدّ من وجود حاكم عادل وصالح ، وإلّا فوجود حاكم وإن كان ظالماً خيرٌ من الفوضى والشغب ، وعلى كل حال فلا تنفي هذه الحالة الأخيرة الحكم الإلهي الصالح على العالم كلّه ، ذلك أنَّ الحكم يشبه النبوة والقضاء النّابعين من ذات الخالق المقدسة ، ولقد بيّنت هذه العبارة ضمناً الأبعاد المختلفة لفلسفة الحكومة والأدلة الواردة في إثبات ضرورتها ، وسنبحث ذلك بالتفصيل في صفحات قادمة.
٢ ـ اشير في الروايات المعروفة والتي نقلها (الفضل بن شاذان) عن الإمام الرضا عليهالسلام إلى ثلاث نقاط مهمّة حيث بيّن فيها دلائل وأسباب تعيين (اولي الأمر) والحكم في المجتمع.
قال الفضل بن شاذان إنّه سمع من الرّضا عليهالسلام مرّة بعد مرّة ، أنّه قال : فإنْ قال : فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟
قيل : لعلل كثيرة منها أنّ الخلق كما وقفوا على حد محدود وأمروا ألّا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ، ولا يقوم إلّابأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٤٠.