أنّ هذا المعنى قد تغيّر في الشرع الإسلامي المقدس أو في اصطلاح الفقهاء (وبالاصطلاح ليس له حقيقة شرعية أو متشرعية) ، كما أنّه لم ينقل إلى معنى جديد في اصطلاح الفقهاء ، وإن كان كثير من الفقهاء وتبعاً للروايات اعتمدوا على مصداق خاص منه (الجلد) ، ولكن بيان هذا المصداق المعروف لا يُعدُّ دليلاً على انحصار مفهوم التعزير بالجلد ، وإن توهّم بعضٌ أنّ التعزير مساوٍ للضرب والجلد.
ولكن التحقيق والتدقيق في كلمات الفقهاء يثبت بطلان هذا التصور.
يقول العلّامة الحلّي ـ قدس سرّهُ الشريف ـ في «التحرير» بعد أن يبيّن أنّ التعزير ورد للجنايات والذنوب التي لم يرد فيها حدٌّ معين :
«وَهُوَ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَالحَبْسِ وَالتُّوبِيخِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَلا جَرْحٍ وَلا أَخْذِ مالٍ» (١).
ويقول في كتاب «الْفقه على المذاهب الأربعة» بعد نقل كلام «ابن القَيِّم» وإن ظاهر عبارته أن الحاكم له تعزير المجرمين بأي طريقة يرى فيها الصلاح ـ سواءً الحبس أو الضرب ـ : «وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّعزِيرَ باب واسع يُمْكِنُ لِلْحاكِمِ أنْ يَقْضي بِه عَلَى كُلِّ الْجرائم الَّتي لَمْ يَضَعِ الشّارِعُ لَها حدّاً أَوْ كَفّارَةً عَلَى أنْ يَضَعَ العقُوبَة المُناسِبَةَ لكلِّ بَيئةٍ ولكلِّ جَرِيْمَةِ مِنْ سَجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ نَفيٍ أَوْ تَوبيخٍ أَوْ غَيْرِ ذلِك» (٢).
هذهِ مقتطفات من كلمات فقهاء الخاصة والعامة.
ومضافاً إلى ذلك ، فإنّ روايات كثيرة وصلتنا في ابواب مختلفة من الفقه ، تدلُّ بوضوح على سعة معنى مفهوم ومصداق التعزير يطول المقام بذكرها هنا ، ومن رغب في الوقوف عليها لابدَّ له من مراجعة بحث التعزير في كتاب الحدود والتعزيرات.
ومن مجموع ماورد في كتب «اللغة» و «كلمات الفقهاء» و «الروايات الإسلامية» في أبواب الفقه المختلفة ، يمكن الاستنتاج بوضوح أن الحاكم الإسلامي غير مقيد بانتخاب نوعٍ معين من أنواع التعزير ، والموارد ادناه كلها من جملة التعزيرات ، بشرط رعاية حال المجرم
__________________
(١) التحرير ، ج ٢ ، ص ٢٣٩.
(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ٥ ، ص ٤٠٠.