للقاضي لكي يأخذ بنظر الاعتبار مناسبات «الجرم» و «الجريمة» من كل الجهات ، فالقاضي وإن كان ظاهراً مخيرٌ في تعيين التعزير إلّاأنّه في الحقيقة ليس مخيراً ، لأنّه يُعيّن لكل جرم مقداراً من العقوبة يتناسب مع ذلك الجرم ، بمعنى أنّ الجرم إذا كان يقتضي الحبس لمدة شهر من الزمان ، أو عشرين جلدة فلا يمكنه زيادة تلك المدّة أو عدد الجلدات حتى يوماً واحداً أو جلدة واحدة ، أو فلساً واحداً في الغرامة المالية.
٤ ـ التعزيرات في القرآن الكريم
ذكرت في القرآن الكريم بعض موارد التعزير يمكن أن تكون نموذجاً للحكم الكلي الإسلامي :
أ) قصة المتخلفين عن غزوة تبوك
وتوضيحه : نقرأ في قوله تعالى :
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى اذَا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا انْ لَّامَلْجَأَ مِنَ اللهِ الَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا انَّ اللهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ). (التوبة / ١١٨)
فقد بُيِّنَ في هذه الآية بنحو الإشارة ، وفي الروايات والتفاسير بنحو التفصيل ، التعزير العجيب الذي مارسه النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في حق أولئك النفر الثلاثة الذين تخلفّوا عن غزوة تبوك (والذين لم يأتمروا بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله وتركوا الجهاد بدون عذر وجيه).
وهؤلاء الثلاثة طبقاً لتصريح بعض الروايات هم «كعب بن مالك» و «مرارة بن ربيع» و «هلال بن اميّه» ، ومع أنّهم لم يكونوا من المنافقين ولكنهم تخاذلوا عن الجهاد في تبوك ، ثم انتبهوا إلى أنّهم ارتكبوا ذنباً عظيماً ، وندموا على ذلك.
وعندما رجع الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله من غزوة تبوك ، جاء هؤلاء الثلاثة إليه وقدموا الاعتذار ، ولكن الرسول صلىاللهعليهوآله لم يكِّلمْهُمْ وأمر المسلمين بأن لا يكلّموهم ، فلم يكلّمهم أحدٌ