وقاطعهم الناس حتى أنّ نساءهم وأولادهم جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وطلبوا منه الرخصة في الانفصال عنهم ، فلم يسمح لهم الرسول صلىاللهعليهوآله بالانفصال التامِّ عنهم وإنّما أمرهم بعدم مقاربتهم.
وعندما وجَدَ هؤلاء المتخلفون أنفسهم في حصار اجتماعي رهيب وضاقت عليهم الآفاق على سعتها اضطروا إلى ترك «المدينة» هرباً من الفضيحة والذلّ ، والتجأوا إلى الجبال في أطراف المدينة ، فكان أهلوهم يأتونهم بالطعام ولكن كانوا لا يكلمّونهم حتى بكلمة واحدة!
وحينئذٍ قال أحدُهم لصاحبيه : والآن وقد قاطعنا الناس تعالوا ليقاطع أحدُنا الآخر ، فلعلَّ الله يقبل توبتنا!
وتحقق هذا الاقتراح عملياً ، وبعد خمسين يوماً من التضرع والتوبة إلى الله ، قبلت توبتهم ونزلت الآية الآنفة الذكر (١).
وبمختصر تدقيق في هذه الحادثة التاريخية العجيبة ، يتضح لنا أنّ هذا الأمر في الواقع نوع مهمّ من التعزير ، وإنّه سجن معنوي شديد مقترن بالتحقير والتشهير والطرد المؤقت من المجتمع ، وقد ترك أثراً بليغاً في نفوس المسلمين وفي نفوس هؤلاء المجرمين الثلاثة ، وصار سبباً في ترك مثل هذهِ الذنوب في المستقبل.
وهذهِ القصة شاهد حيٌّ آخر على عمومية مفهوم التعزير وعدم اختصاصه بالجلد بالسياط ، وتدلّ أيضاً على أنّ بعض أنواع التعزيرات لها تأثير أقوى وأبلغ بكثير من الجلد بالسوط ، وإنّه يكون موجباً للنهي عن المنكر بشكل أوسع في المجتمع.
ب) قصة ثعلبة
والمورد الآخر هو قصة أحد الأنصار (ثعلبة بن حاطب) والتي ورد ذكرها في الآيات وهي قوله تعالى :
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ؛ وتفسير روح الجنان ، ذيل الآية مورد البحث ؛ وسفينة البحار.