لتوفير الاضاءة والتهوية الكافيتين وسمّاه «النافع» (ولعلّ هذه التسمية لأنّ الحبس كان من أجل تربية المجرمين وإصلاحهم) ، ولكن وللاسف فإنّ بعض المجرمين استغلَّ شفقة الإمام عليهالسلام وأساء الاستفادة من هذا السجن ، فقام بعض اللصوص بثقب حائط ذلك السجن وهربوا منه ، فاضطر الإمام عليهالسلام إلى بناء سجن محكم من الطين وسمّاه «المخيَّس».
وكما أشرنا آنفاً فإنّ الدولة الإسلامية كانت قد اتسعت رقعتها في زمن عمر بن الخطاب بشكل لا يمكن معه إدارة المجتمع دون وجود سجن للمجرمين ، والظاهر أنّ الاصرار على انكار هذا الموضوع يعود إلى الأوضاع السياسية والتوصيات القومية ، وإلّا فإنّ التاريخ يشهد هو الآخر على هذا الأمر مضافاً إلى قرائن الأوضاع والاحوال.
وعلى أيّة حال كان السجن في ذلك الوقت مجرد محلٍّ لحجز المجرمين والمدينين والسارقين وأمثال هؤلاء ، ولم يكن ذلك السجن محلاً للمخالفين السياسيين أبداً ، فلو صار وجودهم مضراً في المجتمع فإنّهم كانوا يرسلون إلى المنفى كما هو الحال في قضية أبي ذر الغفاري التي نقرأها في التاريخ ، حيث إنّ عثمان وحاشيته لم يتحملوا صراحة لسان أبي ذر الذي كان على الدوام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فاضطروا إلى نفيه إلى أرض وعرة بلا ماء ولا كلأ باسم «الربذة» وبقي هناك إلى أن ودّع دار الفناء وانتقل إلى جوار ربّه ، ولكن سنرى أنّ السجن قد تغيّر جدّاً في عصر بني أمية وصار مقراً لاعتقال الخصوم السياسيين والمعارضين المؤمنين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
* * *
٢ ـ فلسفة وأقسام السجون
ينبع عشق الإنسان للحرية من عشقه الملتهب للتكامل والرقي ، ولا يمكن لأي موجود سجين أن يستمر في سيره التكاملي ، وحتى الحيوانات تتغرب في أقفاصها مهما تهيأت لها ظروف العيش في تلك الأقفاص ، فهي ترجح الحرية على أسر القفص وإن كانت الأخطار تهددها خارج القفص.