جهاز الحسبة والمحتسب في الحكومة الإسلاميّة :
هذا البحث مرتبط تماماً ببحث الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وهو في الحقيقة فرع من فروعه ، إذ كما أشرنا فإنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر له شقّان ، شقّ عام يشمل جميع النّاس ، وشقّ خاص تختص به الحكومة الإسلاميّة ، ففي هذه المرحلة قد يلزم إبداء الخشونة والشّدّة وهذا ليس من شأن النّاس ، بل لابدّ أن يقوم مأمور الحكومة المدربون على القيام بهذه الوظيفة ، وهذا يشكل أساس «الحسبة» (١).
توضيح ذلك :
«الحسبة» : في اللغة ، إسم مصدر من مادة «إحتساب» ، وكما ذكر أرباب اللغة فإنّه بمعنى التّسليم والصّبر حيال المشكلات طلباً للأجر الإلهي ، وكذلك السّعي في أداء أعمال الخير لتحصيل الثّواب.
ولما كان هذا الشق من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر سعيٌ واجتهاد وجدٌّ في طريق إطاعة الله ومكافحة المنكرات لنيل رضا الله ، سُمي «حسبة».
يقول في كتاب «التّحقيق» حول معنى مادة «حسب» : الأصل في هذا المصطلح بمعنى التّحقيق والبحث والتّدقيق بقصد الإمتحان.
وهذا التعبير يناسب كثيراً شغل المحتسب الذي يستخبر عن شرائح مختلفة من المجتمع ويبحث ويحقق ويراقب حركاتهم ، فإن وجد انحرافاً نبههّم إليه ، فإن لم ينفع واجههم بشدّة.
وكانت دائرة «الحسبة» من الدوائر المعروفة في زمن الخلفاء وتشرف على نشاطات الكسبة والتجّار والفلاحين وشرائح المجتمع الاخرى من حيث المخالفات والمنكرات ، وكلما رأى المحتسبون مخالفة كانوا ينهون مرتكبيها لها ، فإن لم يؤثر فيهم النهي والتذكير والموعظة ، كانوا يعاقبون المخالف في نفس المكان مباشرة ، أو يقبضون عليه ويسلّمونه إلى القاضي فيأمر بحبسه.
__________________
(١) التّحقيق في كلمات القرآن الكريم ، ح ٢ ، مادة (حسب).