اللهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَماوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ... لتَعلَموا أنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شىءٍ قَديرِ ...» (١).
وهذا في الحقيقة موضوع ظريف وهو أنّ خلق السماوات وخلق الأرضين وتدبيرهما الدائمي ، يكون وسيلة لتحريك حسّ الإطلاع عند الإنسان للتفكر والتّأمل في أسرار العالم ، وبالنّتيجة التّيقن من علم الله وقدرته ، فكل تلك الأمور إذن مقدمة لتربية النفس الإنسانيّة والقرب إلى الله ، وللإطلاع على أنّ أحكام الشّريعة كأحكام الخلقة ، مبتنية على حسابات دقيقة ، فالخلقة إذن من أجل العلم.
* * *
وتشير الآية الثّانية إلى الهدف من بعثة نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله ، وتعتبر أنّ الهدف هو التّعليم والتّربية في ظل تلاوة آيات الله ، حيث تقول :
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَالَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
فهنا لم يحصر الهدف من البعثة في تعليم الكتاب والحكمة ، بل تعليم الأمور التي لم يكن بالإمكان التعرف عليها إلّابنزول الوحي ، ولذا يقول : (وَيُعَلِّمُكُمْ مَّالَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
وبهذا يكون الهدف من الخلقة تطوير المعرفة ، والهدف من البعثة كذلك هو توسعة ونشر العلم والحكمة وتهذيب وتربية النفوس.
* * *
__________________
(١) فُسرّت السّماوات السّبع بتفسيرات عديدة ، منها تفسير معروف وهو أن كلّ ما نراه من سماوات وكرات سماوية ونجوم سيارة وثابتة ، مرتبط بالسّماء الأولى ، وما بعدها ستة عوالم أخرى عظيمة جدّاً ، واحد تفاسير الأرضين السبّع هو أن ما يوجد فوقنا من عوالم يوجد مثله تحت أرجلنا وهذا المعنى بينه الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله في عبارة رائعة حيث سأل أصحابه هل يعرفون ما تحت أرجلهم؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم فقال صلىاللهعليهوآله : «الأرض وتحتها أرض اخرى بينهما خمسمأة عام» (تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤). وللإطلاع أكثر على معنى السماوات السبع راجعوا الى ج ٢ ، ص ١٤٤ من هذا التفسير.