والتعبير بلعن الله ولعن اللاعنين من أشدّ التّعبيرات التي استعملت في القرآن المجيد في ذنب من الذّنوب ، وهذا دليل على قبح كتمان العلم والهدى إلى أبعد الحدود ، بالخصوص تلك العلوم والمعارف التي تكون أساساً لهداية النّاس.
وفي الآية التي تلي هذه الآية مباشرة من سورة البقرة ، ذكر تعالى الطريق الوحيد للتوبة من هذا الذّنب الكبير وهو تبيين المسائل المكتومة بعد النّدم والعودة إلى الله ، وهذا بنفسه دليل واضح على أنّ جبران «كتمان العلم» لا يتحقق إلّابتبيينه حيث يقول تعالى : (إِلَّا الَّذِين تَابُوا وَأَصلَحُوا وبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوابُ الرَّحيمُ). (البقرة / ١٦٠)
وهذه الآية وإن نزلت في أهل الكتاب الّذين كتموا علامات نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله المذكورة في كتبهم ، إلّاأنّ مفهومها أوسع من ذلك ، فتشمل كتمان كلّ علم من العلوم يكون سبباً في هداية النّاس ، والرّوايات الواردة عن المعصومين عليهمالسلام تشهد بهذا الأمر وأنّ المراد من العلم مفهومه المطلق ، يقول النّبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله : «مَنْ سُئل عن عِلْم يَعْلَمُهُ فَكَتَمه ، الجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ» (١).
وفي حديث آخر عنه صلىاللهعليهوآله نلاحظ تعبيراً أوضح من الأوّل حيث يقول صلىاللهعليهوآله : «مَنْ كَتَمَ عِلمَاً نافِعاً عِنْدَه ، أَلْجَمَهُ اللهُ يومَ القيامَة بلجامٍ منْ نارٍ» (٢).
ومن الواضح أنّ هذا التّعبير يشمل كلّ العلوم المفيدة للإنسان في مجالٍ من المجالات.
وقد نُقل هذا المعنى بصراحة في حديث آخر عنه صلىاللهعليهوآله أيضاً حيث يقول صلىاللهعليهوآله : «مَنْ عَلِمَ شَيئاً فلا يكتمه» (٣).
٢ ـ أهميّة العلم لا تنحصر بالعلوم الدينيّة
قد يتصور البعض أنّ كلّ تلك التأكيدات الواردة في الآيات القرآنية والرّوايات الشّريفة في التعلّم والتّعليم ونشر العلوم ، ناظرة إلى العلوم الدينيّة فقط ، ولا تشمل ما يرتبط ببحث
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١ ـ ٢ ، ص ٢٤١ ، ذيل الآية مورد البحث.
(٢) كنز العمال ، ح ٢٩١٤٢ ، ج ١٠ ، ص ٢١٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٧٨.
(٣) كنز العمال ، ح ٢٩١٤٥.