الجزم بأنّ العلم والمعرفة نشأتا في جهات مختلفة عند المسلمين ، وأنّ العلماء والفقهاء والأطباء والفلاسفة قد أبدَوا نبوغهم وإبداعهم في هذا المجال» (١).
وخلاصة الكلام ، إنّ الكتب التّاريخية العالميّة العامّة ، أو تلك الخاصّة بتاريخ الحضارة الإسلامية ، قد ذكرت بوضوح اعترافات مؤرخي الشرق والغرب بتأثير النهضة العلميّة عند المسلمين على تأريخ وعلم وثقافة المجتمع البشري على المدى البعيد أو القصير ، وتفصيل الكلام في ذلك يحتاج إلى كتاب مستقل ، وما ذكر إنّما هو جانب مختصر من ذلك.
٤ ـ مقام المُعَلِّمِ في الإسلام
كما نعلم فإن التعلّمِ في نظر الإسلام واجب عيني ، وقد يكون في بعض العلوم واجباً كفائياً ، أي أنّ بعض العلوم يجب على الجميع تعلّمها ، وأمّا ذلك القسم الذي يتميز بميزة تخصّصية وتعلّمة ليس ميسوراً للجميع ، فهو واجب كفائي.
وكذلك الكلام في تعليم العلوم ، فقسم من العلوم لابدّ أنْ يتم تعليمه للجميع من قبل الذين يحملون تلك العلوم ، في حين أنّ تعليم البعض الآخر ، واجب كفائي.
فعلى كل حال ، فإنّ تَعلُّم وتعليم كلّ العلوم التي يرتبط بها قوام المجتمع البشري مادّياً ومعنويّاً لازم وضروري ، سواءً كان واجباً عينيّاً أو كفائيّاً ، ولهذا فإنّ أي مسلم لا يحق له أن ينفصل عن التّطورات العلميّة الحديثة ، بل عليه ومن أجل تقوية أركان الحكومة الإسلاميّة ، أنّ يبذل كل ما بوسعه لتعلّم وتعليم تلك العلوم ، ولا شك في أنّ المسلمين لو قصّروا في هذا المجال وصاروا سبباً في تأخر الدّول الإسلاميّة عن المجتمع البشري ، فإنّهم سيكونون مسئولين أمام الله!
يعتبر القرآن المجيد أنّ المعلم الأوّل هو الله عزوجل ، وأنّ التّلميذ الأوّل هو آدم عليهالسلام ، وأوّلُ عِلمٍ تعلمه آدم هو ، علم الأسماء «ويحتمل قوياً أنّ المراد من ذلك هو الإطلاع على أسرار الخلقة وموجودات الكون».
__________________
(١) تاريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج ٣ ، ص ٢٢٢.