وهذا المعنى جاء أيضاً في كتب أهل السنّة المعروفة ، فقد رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله إنّه قال : «لا تُشَدُّ الرِّحال إلّاإلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى» (١).
ومن الواضح أنّ هذين الحديثين لا تنافي بينهما ، ومتى ما ضممناهما إلى بعضهما ، يكون المقصود أربعة مساجد ، كما أنّه من الواضح أنّ الهدف من بيان مثل هذه الأحاديث هو بيان أهميّة المساجد الثّلاثة أو الأربعة ولا يعني أنّ الإنسان إذا ماشدَّ الرّحال إلى مسجد آخر فإنّه يكون قد ارتكب مخالفة ، كما تصور بعض الجّهال ، إذ لو كان مفهوم هذا الحديث هو التّحريم ، فإنه يَحُرم كل سفرٍ مطلقاً إلّاإلى هذه الأسفار الثّلاثة في حين أنّ هناك أسفاراً مشروعة اخرى كثيرة.
(ولابدّ من الإلتفات إلى أنّ «لا تُشَدُّ الرّحال» مطلقة تشمل كلّ سفر).
وشبيه هذا المعنى ورد في بحار الأنوار مع تفاوت مختصر (٢).
فمثل هذه المساجد في الحقيقة ، تعتبر من المراكز الإسلاميّة الثّقافية وقد كانت لسنين عديدة في صدر الإسلام وما بعد ذلك محلاً لإقامة حلقات الدّرس والبحث العلمي ، وكان كبار العلماء يتواجدون فيها للتّدريس وتعليم العلوم والتّربية ، وكذلك اليوم فإنّ المسجد الحرام ومسجد النّبيّ غاصٌّ على طول السّنة بالطّلاب والأساتذة وحلقات الدّرس ، كما أنّ كثيراً من المساجد الإسلاميّة المهمّة في البلاد الاخرى كسورية وإيران والعراق تعتبر منتديات للتّربية والتّعليم ، حتّى أنّها تصير أحياناً مركزاً لأكبر حلقات الدّرس ، وقد يكون التّحفيز من قبل الرّوايات على شدِّ الرّحال إلى هذه المراكز إنّما هو لأجل ذلك ، مضافاً إلى كسب المعنويات والرّوحانيات في تلك المساجد ، والاستفادة من السّوابق العلميّة التّاريخية لهذه المساجد.
ونفس هذا المعنى متحقق في المراقد المقدّسة لأئمّة الدّين عليهمالسلام ، حيث يكون صحن
__________________
(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٠١٤ ، كتاب الحجّ ، باب ٩٥ ، ح ١٣٩٧.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٦٦ ، ص ٢٤٠ ، باب ٤٤ ، ح ٢.