هذا أول شكل للجهاد في الإسلام ، ولكن لا ينبغي أن يُفهم من معنى «الجهاد الدّفاعي» أنّ الحكومة الإسلاميّة لابدّ أن تجلس مكتوفة الأيدي بلا حراك حتّى يدخل العدو بيتها ويغزوها في عقر دارها ، ثم تهب للدفاع ، بل على العكس من ذلك ، فبمجرّد أن تشعر باستعداد العدو للهجوم والقتال وأن غرضه هو الإعتداء على بلاد الإسلام ، عليها أن تأخذ بزمام المبادرة وتكسر شوكة العدو وقدرته في مهدها.
٢ ـ الجهاد لإخماد نار الفتنة
ورد في قوله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِميِنَ). (البقرة / ١٩٣)
وكما أشرنا فيما سبق فإنَّ في تفسير مصطلح «الفتنة» بين العلماء كلام ، ولكن مهما فسرنا «الفتنة» ، تارةً بإيجاد الفساد ، وإيذاء المؤمنين أو بالشّرك وعبادة الأوثان المقترنة بفرض هذا الإعتقاد على الآخرين ، أو كان بمعنى إضلال وإغواء وخداع المؤمنين ، كلّ ذلك أنواع من الهجوم من قبل العدو على المؤمنين ، ولذا فإنّ الجهاد في مقابل ذلك يأخذ شكلاً دفاعيّاً.
وجملة (فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِميِنَ) تدل بوضوح على أن الهدف هو الحدُّ من ظلم الظّلمة الجائرين.
والملفت للنّظر أنّه ورد في الآية نفس السورة :
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَاخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيثُ اخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ). (البقرة / ١٩١)
فهذه الآية وبملاحظة الآية السّابقة الّتي تتحدث عن المشركين المهاجمين ، تدعو بصراحة إلى قتال ومحاربة أولئك الذين أغاروا على المسلمين وأخرجوهم من ديارهم ومنازلهم والذين لا يمتنعون من ارتكاب أي جريمة في حقّ المسلمين خاصّة من أجل تغيير عقيدتهم ، فكانوا يمارسون الضّغوط والتّعذيب الوحشي ضدّهم ، فالقرآن لا يجيز قتال هؤلاء فحسب ، بل إنّه يوجب ذلك عليهم.