والفتنة وإن فُسَّرت في بعض الأحاديث وكلمات جمعٍ من المفسرين بالشّرك وعبادة الأوثان ، ولكن قرائن كثيرة في هذه الآية والآيات السّابقة واللاحقة تدلّ بوضوح على أنّه لم يكن المنّظور منها الشّرك أبداً ، بل أعمالٌ كأعمال مشركي مكّة الّذين كانوا دائماً يمارسون الضّغوط والتّعذيب ضدّ المسلمين لتغيير عقيدتهم ، ولذا ورد في تفسير «المنار» في معنى الآية قوله : (حتّى لا تكونَ لَهُم قوَّة يفتنونَكُم بها ويؤذونكُم لأجلِ الدّين ويمنعونكم من إظهارهِ أو الدّعوة إليه) (١).
ولا شكَّ في أنّ مثل هذه الفتنة وسلب الحريات والتّعذيب والضّغوط لتغيير العقيدة ودين الله أشدُّ من القتل.
وعليه فجملة «ويكون الدّينُ كُلُّهُ لله» إشارة إلى أنّ رفع الفتنة إنّما يكون في أن يعبد شخص خالقه بحرية ، وأن لا يخشى أحداً ، لا أنْ يكون المشّركون أحراراً في عبادة الأوثان فيبدلوا الكعبة إلى محل عبادة الأصنام ، ويُسلَبُ المسلمون حقّ قول «الله أكبر» و «لا إله إلّا الله» علناً.
وعلى أيّة حال ، فالآيات (١٩٠) و (١٩١) و (١٩٣) من هذه السّورة والمرتبطة بعضها مع البعض الآخر ، تدلّ جميعاً على أنّ إخماد نار الفتنة باعتباره هدفاً للجهاد الإسلامي له جنبة دفاعيّة في الواقع ، ويحفظ المسلمين في مقابل الهجمة الثّقافيّة والاجتماعيّة والعسكريّة لأعداء الإسلام.
٣ ـ الجهاد لحمايّة المظلومين
يدعو القرآن الكريم المسلمين إلى الجهاد من أجل حماية المظلومين وقتال الظالمين وتقول : (وَمالَكُمْ لَاتُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ والْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا اخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَليّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصيراً). (النساء / ٧٥)
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٢ ، ص ٢١١.