بها العدو ، ذلك الصّلح العادل الحقيقي لا الصّلح الكاذب الذليل.
وذكر في سبب نزول هذه الآية ، إنّها تحكي عن طائفة «الاشجع» حيث جاء جمع منهم بزعامة مسعود بن رجيله إلى مقربة من المدينة ، فأرسل الرسول صلىاللهعليهوآله ممثلين عنه إليهم للتّعرف على نواياهم من هذا السّفر ، فقالوا :
جئنا للتّعاقد مع محمّد على ترك المخاصمة (وأن نكون على حياد في نزاعكم مع الآخرين). فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يأخذوا إليهم مقداراً من الّتمر بعنوان الهديّة ، ووقع على عقد ترك التّعرض معهم.
ومن البديهي أنّ مفهوم الآية قانون كلّي عام وخالد ، وإن كان سبب نزولها مورداً خاصّاً ، لإنّنا نعلم بأنّ سبب النّزول لا يحدد مفهوم الآيات العام.
* * *
وفي الآية الرّابعة ، حديث عن الحروب المحتملة في داخل الدّولة الإسلاميّة بين الاجنحة المتخاصمة ، أي طوائف من المؤمنين ، ففي الآية أمرٌ أكيد على إقرار الصّلح بينها ، فإن أُغلقت كلّ الطّرق إلّاقتال الفئة الباغيّة لتحقيق الصّلح والسّلام ، كان ذلك واجباً على المؤمنين ، يقول تعالى :
(وَإِنْ طَائِفَتانِ مِنَ الْمُؤمِنيِنَ اقْتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ثُمّ يضيف (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغى حَتّى تَفِىءَ إِلَى امْرِ اللهِ) ، وفي الختام يعود إلى مسألة الصّلح ويقول : (فَانْ فَاءَتْ فَاصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَاقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
فالمستفاد من صدر الآية هو أنّ ترك الخصام وإقرار الصّلح داخل الدّول الإسلاميّة أصل أساسي أيضاً ، ولذا فإنّ الشّارع جوّز القتال باعتباره آخر الحلول المتصورة لتحقيق هذا الهدف!
ويستفاد من ذيل الآية أنّ الصّلح لابدّ أن يكون عادلاً ومن موقع القوّة ، لا أنْ يكون جائراً ومن موقع الضّعف والإستسلام ، إذ إنّ مثل هذا الصّلح الأخير يكون دائماً متزلزلاً وغير ثابت ويُربّي في داخله نطفة الحرب.