والنّكتة المهمّة هنا هو أنّه ورد التعبير في الآية بـ «العدل» أحياناً ، واخرى بتعبير «القسط» ، وعلى رأي الرّاغب الأصفهاني ، فالعدل لفظ يحمل مفهوم المساواة ، و «القسط» يعني «النّصيب العادل» (غاية الأمر ، إذا جاء هذا المصطلح بصيغة الثّلاثي المجرّد فإنّه يعني أخذ نصيب الآخرين ، وعليه فإنّه يعطي مفهوم الظّلم ، وتارة يستعمل على وزن أفعال ـ أقساط ـ ومفهومه إعطاء نصيب وسهم الآخرين ، وحينئذٍ يحمل معنى العدالة).
وطبقاً لهذا البيان ، وتعبيرات اخرى للراغب ، فإنّ كلمة «القسط» و «العدل» واحدٌ من حيث المعنى والمفهوم ، ولكن يمكن أنْ يكون بينهما فارق وهو أنّ مصطلح «القسط» و «الإقساط» يستعمل في الموارد التي يشترك فيها جماعة إذا اعطي لكل واحد منهم نصيبه الكامل فذلك القسط ، وإلّا فهو «الجور».
وأمّا «العدالة» التي يُقابلها «الظّلم» فإنّ لها مفهوماً أوسع من ذلك فهي تستعمل في موارد الشّركة وفي غير موارد الشّركة ، وعليه ، فإن كان مالٌ حقاً مُسَلَّماً لشخص ما ، وأُعطي ذلك الحقّ فتلك هي العدالة وإن أُخذ ذلك الحق منه فهو «الظلم» (١).
* * *
والآية الخامسة ناظرة إلى الخلافات الشخصية الخاصة ، فتأمر بإقرار الصلح بين الرجل والمرأة إذا برزت الخلافات بينهما ، يقول تعالى : (وإِنِ امرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَو إِعَراضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيِهمَا أَن يُصلِحَا بَينَهُمَا صُلحًا وَالصُّلحُ خَيرٌ).
وعلى الرّغم من أنّ مورد الآية هو الصّلح في الخلافات الزوجية ، ولكن مفهوم العبارة واسع جدّاً يشمل كل صلحٍ وصفاء بين شخصين أو مجموعتين أو شعبين ودولتين. (تأملوا جيداً).
والملفت للنّظر هو أن الصّلح الوارد في هذه الآيات المتعاقبة ورد في ثلاث صور هي :
__________________
(١) وفي الواقع أن النّسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص المطلق ، فللقسط مفهوم خاص يستعمل في موارد الشّركة فقط ، والعدالة مفهوم أوسع يشمل غير موارد الشّركة.