وحتى لو كانت مجموعة أو دولة تقف في صف أعداء الإسلام ثمّ تراجعت عن ذلك وغيرّت سياستها ، فإنّ على المسلمين أنْ يقبلوهم وأن لا يعادوهم ، فالمعيار هو الموقف الراهن لأولئك تجاه الإسلام والمسلمين.
* * *
قصّة «الجزية» :
والآية الثّانية وهي من سورة التّوبة أيضاً ، وبعد بيان الأحكام الخاصّة بالنّسبة للمشركين وعبدة الأوثان ، تتعرض لبيان موقف المسلمين من كفار أهل الكتاب (اليهود والنّصارى) وتقول :
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَومِ الآخِرِ وَلَايُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَديِنُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ اوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
ولا شكَّ في أنّ لهجة الآية في خصوص أهل الكتاب «شديدة» وذلك لأنّ أهل الكتاب وخاصة «اليهود» كانت لهم مواقف سلبية جدّاً تجاه الإسلام والمسلمين ، فقد وافقوا الأعداء في حرب الأحزاب وبعض الحروب الاخرى ، مضافاً إلى أنّهم وقفوا في وجه الإسلام في بعض الحروب كحرب «خيبر» وتآمروا على قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكانوا يتجسسون على المسلمين لصالح الأعداء.
وبالنظر لأن الآية أعلاه من آيات سورة التّوبة ، ونعرف أنّ سورة التوبة نزلت في السّنة التّاسعة للهجرة ، حيث كان المسلمون قد غزو غزوات عديدة ، وكان من الضّروري أن يحددوا موقفهم من كل القوى المخالفة لهم.
ففي البدء تحذر المشركين وتطلب منهم تحديد موقفهم ، فتعلن الحرب ضد أولئك الذين نقضوا عهدهم إلّاإذا أذعنوا للحق ، وأمّا أولئك الذين وفوا بعهدهم فتطلب منهم الاستمرار بالوفاء حتّى النّهاية (وهذا المعنى ذكر في الآيات الأولى من السّورة).
ثُمّ تعلن الحرب على أهل الكتاب الّذين لا زالوا يُنسّقون مع المشركين ضد المسلمين ،