في قبال تعهد الحكومة الإسلاميّة على حفظ أموالهم وأنفسهم ونواميسهم ، وطبقاً لما ورد في بعض الرّوايات فإنّ مقدار الجزيّة كان ديناراً واحداً في السنة!!
حتى أنّ بعض أهل الكتاب الذين كانوا يعجزون عن دفعه كانوا يعفون من الجزية (وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ البعض يرى أنّ جملة «عن يدٍ» إشارة إلى ذلك).
* * *
إختيار الأسلوب الأفضل في النقاش :
والآية الثّالثة تتناول كيفية مجادلة المسلمين لأهل الكتاب ، فهي توصيهم بانتخاب أفضل أسلوب للنّقاش والبحث وتقول : (وَلَا تُجَادِلُوا اهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ). وهذا مفهوم عام وجامع وأساسي.
و «الجدال» : في اللغة هو إبرام الحبل وإحكامه ، فإذا تباحث اثنان في أمرٍ وأراد كلٌ منهما حرف صاحبه عن رأيه يقال «جادله» والمراد منه هنا النّقاش والبحث المنطقي.
أمّا فيما يرتبط بالمراد من جملة (بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ) ، فإن بعض المفسرين قالوا إنّ المراد منها هو التعامل معهم بلين ولطف ومحبة ، ففي قبال الخشونة اللين ، وفي قبال الغضب ، الصّبر ، وفي قبال الشرّ ، حب الخير ، وفي قبال التسرُّع ، التأني.
وعلى أيّة حال ، فإنّ تعبير بجملة (بالتي هي أحسن) جامع جدّاً يشمل كلّ الأساليب الصّحيحة والمناسبة للبحث والنّقاش ، سواءً كان ذلك بالألفاظ أو في محتوى الكلام ، أو في لحن القول أو في الحركات والسلوك العملي ، وعليه يكون مفهوم الجملة هو أنّ الحديث معهم لابدّ أنْ يكون مؤدباً ، وأنْ لحن القول لابدّ أنْ يكون حبيباً وأنْ محتوى الكلام لابدّ أن يكون منطقيّاً وبرهانيّاً ، فينبغي أنْ يكون الصّوت خالياً عن العربدة والغوغاء والضجيج ، وأن تكون حركات اليد والعين والحاجبين المكملّة للبيان على هذا المنوال.
وكلّ ذلك من أجل أنّ الهدف من النّقاش والمجادلة ليس حب السّيطرة والإستعلاء ، وإنّما هو إقناع الطرّف المقابل ونفوذ الحقّ إلى أعماق روحه ، وأنْ يتخذ الموقف الصّحيح في