هذا وقد جاء مضمون الآية بشكل آخر في سورة النّحل ، حيث يقول تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ). (النّحل / ١٢٥)
والملفت للنّظر هو أنّ هذه الآية هي أول الإرشادات الأخلاقيّة العشرة التي وردت في تلك السّورة في مورد التّعامل الصّحيح مع المخالفين.
وفي الواقع فإن الجملة الأولى أي : (أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ) ناظرة إلى الاستدلالات العقليّة في قبال أرباب الاستدلال والفكر.
وعبارة (والمُوعَظِةِ الحَسَنَةِ) إشارة إلى الأسلوب العاطفي في المجادلة مع غير أرباب الإستدلال العقلي ، أي أولئك الذين يدورون مدار المسائل العاطفيّة ، وخصوصاً وأنّ وصف «الموعظة» بالحسنة ، إشارة إلى ضرورة خلوها من الخشونة والإستعلاء وتحقير الطرف المقابل وإثارة إحاسيسه وأمثال ذلك ، ولا شك في أنّ مثل هذه الموعظة تكون مؤثرة.
و (وجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هي أَحسَنُ) إنّما هي مع أولئك الذين مُلِئَت أذهانهم بالشّبهات والشكوك ، فينبغي مجادلتهم عن طريق المناظرات الصّحيحة وإخلاء أذهانهم من تلك الشّبهات تمهيداً لقبول الحق.
* * *
الدّعوة إلى أصلٍ أساسي مشترك :
والآية الرابعة تخاطب أهل الكتاب وتدعوهم إلى أصل أساسي مشترك وهو التّوحيد وفروعه ، يقول عزوجل :
(قُلْ يَا اهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَانُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَايَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِانَّا مُسْلِمُونَ).
والدعوة إلى القدر المشترك خير طريق للعيش بين مذهبين مختلفين ، إذ لا يمكن عادة أنْ نطلبَ من طرف واحد أن يتخلى عن معتقداته ويتبع الطّرف الآخر ، وحتّى لو كان ذلك مقبولاً ومنطقيّاً فإنّه غير ممكن عملياً ، فالأفضل أن نترك أتباع الأديان الاخرى على