فقام عمر بن الخطاب وقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وما يدريك يا عمر لعلَّ الله إطَّلع على أهل بدر فغفر لهم ، فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
فنزلت الآيات الأولى من سورة «الممتحنة» وحذَّرت بشدّة المسلمين من تكرار مثل هذه التّصرفات ، لأنّها تذهب بدنياهم وآخرتهم (١).
ففي هذه القصة ، نجد أنّ هناك تجسساً لصالح الأعداء ، ولكن جهاز الأمن المضاد عند النّبيّ صلىاللهعليهوآله ـ سواءً كان عن طريق اطلاع جبرئيل الأمين أو أي طريق آخر ـ أحبط مؤامرة العدو ، بنحو لم يصل أي خبر عن تحرك النّبيّ صلىاللهعليهوآله ومخططه لفتح مكة إلى أسماع قريش وفوجيء مشركو قريش بدخول جيش الإسلام إلى مكّة ، وكان ذلك سبباً في تحرير أقوى قلاع الشرك بلا إراقة دماء ولا حرب ، ولو كانت الجاسوسة قد أوصلت ذلك الكتاب إلى مكّة ، كان يُحتمل أن تراق دماء كثيرة في هذا الطّريق ، وهذا يدل على أهميّة دور الأجهزة الاستخبارية أو الأمن المضاد في تحديد مصير مجتمع وأمّة بكاملها.
* * *
٢ ـ قصة استخبار حُذيفة
نموذج آخر من النشاطات الأمنية في عصر النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، هو قصّة «حذيفة» في حرب الأحزاب.
فقد روي في التواريخ ؛ ذات ليلة من ليالي حرب الأحزاب ، وبعد اختلاف الأحزاب فيما بينهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مَن رجلٌ يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ـ يشرط له رسول الله صلىاللهعليهوآله الرجعة ـ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنّة؟ قال حذيفة : فما قام رجل من القوم من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني ، فقال : «يا حذيفة إذهب فأوغل في القوم فانظر ماذا
__________________
(١) ذكر أكثر المفسرين هذا المعنى في شأن نزول الآيات الأولى من سورة الممتحنة.