يصنعون ولا تُحدثَنَّ شيئاً حتى تأتينا».
قال فتهيأت فدخلت في القوم والرّيح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرُّ لهم قِدراً ولا ناراً ولا بناءً ، فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش لينظر امرؤ مَنْ جليسه؟ قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت : من أنت قال : فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش إنّكم والله ما أقمتم بدار فقام ، لقد هلك الكُراع والخفّ وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نَكره ولقينا من شدة الرّيح ما ترون ما يطمئن لنا قِدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا تحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جَمَله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثبَ به على ثلاث فوالله ما أطلق عقاله إلّاوهو قائم ، ولولا عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله إليّ «أن لا تحدث شيئاً حتى تأتيني» ولو شئت لقتلته بسهم.
والمستفاد من آيات القرآن ، أن وجود الأجهزة الأمنيّة والتّجسسية كان أمراً رائجاً حتّى في زمن الأنبياء الذين سبقوا نبيّنا محمّداً صلىاللهعليهوآله ، حتّى استفيد من الطيّور في هذا المجال كما في قصّة سليمان عليهالسلام والهدهد ، الذي كان يأتي بأخبار البلدان البعيدة إلى سليمان ، ثُمّ يحمل رسالة سليمان ـ التي كانت تبين علاقته بالدّول الاخرى ـ إلى تلك الدّول (١).
* * *
٣ ـ المنظمات الأمنية في الروايات الإسلاميّة
لهذه المسألة في الروايات الإسلاميّة وكتب التاريخ صدىً واسعٌ ، فمن خلال الاطلاع عليها يمكن الوقوف على هذه الحقيقة وهي أنّ الحكومة الإسلاميّة ينبغي أن لا تغفل عن هذه المسألة المهمّة ، وأنّ عليها أن تمارس نشاطاً موسعاً في اتجاهين : أن تطّلع على تحركات العدو العسكريّة والسّياسية والاقتصاديّة التي لها تأثير على مستقبل ومصير المسلمين ، وأن تواجه الفعاليات الجاسوسية ، للعدو الذي يحاول النفوذ واختراق المسلمين للتعرف على أسرارهم وسرقتها.
وسنتعرض هنا إلى بيان نموذج من هذه الرّوايات والوقائع التّاريخية :
__________________
(١) الآية ٢٠ إلى ٢٦ من سورة النّمل (وللتّفصيل راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآية مورد البحث).