٤ ـ إستراق السّمع
لا شك في أنّ مراقبة المكالمات الهاتفية الشّخصية والتّجسس على محتواها للإطلاع على أسرار النّاس ، مصداق من مصاديق الآية الشّريفة في سورة الحجرات الدّالة على حرمة «التّجسس» ، كما أنّ الرّوايات الإسلامية تؤكد هذا المعنى.
فقد ورد في حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لا تتّبعوا عَثَرات المسلمين فإنه من تَتَبّع عثراتِ المسلمين تَتَّبعَ اللهُ عَثْرَتهُ ، ومن تتَّبعَ اللهُ عَثرتَه يَفْضَحُهُ».
والملفت للنظر هو أنّه ذكر المخاطبين في هذا الحديث بقوله : «يا معشرَ من أسْلَمَ بلسانهِ ولم يُسلمْ بِقَلْبِه» (١).
وفي أصول الكافي ، في باب من طلب عثرات المسلمين وعوراتهم ذكرت أحاديث كثيرة أخرى ـ غير الحديث أعلاه ـ.
وحرمة هذا الأمر كانت مسلّمَةً بين المسلمين إلى درجة أنّ عمر بن الخطّاب كان ذاتَ ليلة يتجول في أزقة المدينة ، فسمع رجلاً يُغنّي في داره ، فتسلق عمر حائط الدّار وصاح بالرّجل يا عدوّ الله أتعصي الله هنا وتظن أنّ الله لن يفضحك؟!
فقال الرجل : مهلاً أيّها الخليفة ، فإن كنتُ قد ارتكبتُ ذنباً واحداً فإنّك قد ارتكبت ثلاثة ذنوب ، فإن الله عزوجل يقول (وَلَا تَجَسَّسُوا) وأنت تتجسس ، وإن الله عزوجل يقول (وَأتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِهَا) (البقرة / ١٨٩) وأنت سطوت من على الجدران ، وإنّ الله عزوجل يقول : (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) (النور / ٢٧) ولم تفعل أنت ذلك!
فاستحى عمر وقال : لو عفوتُ عنك فهل تترك اقتراف هذا الذنب؟
قال الرجل : نعم ، فعفى عنه عمر وخرج (٢).
وعلى أيّة حال ، فلا شبهة في أنّ استراق السّمع ، بمعنى مراقبة مكالمات النّاس ، العادية منها أو الهاتفية ، وحتّى التّجسس على الرّسائل والمكاتبات الخاصّة ، كل ذلك من مصاديق التّجسس الواضحة الحرمة.
__________________
(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٥٥ ، ح ٤.
(٢) كنز العمّال ، ج ٣ ، ص ٨٠٨ ، ح ٨٨٢٧.