قلوبنا الى الزيغ.
والثاني : قال أبو علي : معناه لا تزغ قلوبنا عن الايمان ، لأنه تعالى لا يأمر بالكفر كذلك لا تزغ عن الايمان.
فان قيل : هلا جاز على هذا أن يقولوا : ربنا لا تظلمنا ولا تجر علينا؟
قلنا : لان في تجر علينا تسخط السائل ، لاستعماله في من جرت عادته بالجور وليس كذلك (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) على معنى سؤال اللطف.
والهبة : تمليك الشيء من غير مثامنة.
فصل : قوله (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) الاية : ٩.
في الاية دلالة على أنه لا يخلف وعده ولا وعيده ، ولا ينافي ذلك ما نجوزه من العفو عن فساق أهل الملة ، لان من يجوز العفو عنه إذا عفى كشف ذلك عندنا أنه ما عفاه بالخطاب ، وانما الممنوع منه أن يعنيه بالخطاب ، وبأنه لا يعفو عنه ثم يعفو فيكون ذلك خلفا في الوعيد ، وذلك لا يجوز عليه تعالى.
فصل : قوله (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) الاية : ١٣.
فان قيل : كيف يصح تقليل الاعداد مع حصول الرؤية وارتفاع الموانع ، وهل هذا الا ما تقوله المجبرة من أنه يجوز أن يكون بحضرتنا أشياء تدرك بعضها دون بعض بحسب ما يفعل فينا من الإدراك ، وهذا عندنا سفسطة وتشكيك في المشاهدات.
قلنا : يحتمل أن يكون التقليل في أعين المؤمنين ، بأن يظنوهم قليلي العدد لا أنهم أدركوا بعضهم دون بعض ، لان العلم بما يدركه الإنسان جملة غير العلم بما يدركه مفصلا ، ولهذا إذا رأينا جيشا كبيرا ، أو جمعا عظيما ندرك جميعهم ونتبين أطرافهم ، ومع هذا نشك في أعدادهم حتى يقع الخلف بين الناس في حزرهم وعددهم ، فعلى هذا يكون تأويل الاية.