وقال الطبري : انه لا يجوز تأويل من قال (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) عند حضور موتهم قال : لأنه لا خلاف بين الامة أن الكافر إذا أسلم قبل موته بطرفة عين في أن حكمه حكم المسلم في وجوب الصلاة عليه ومواريثه ودفنه في مقابر المسلمين واجراء جميع أحكام الإسلام عليه ، ولو كان إسلامه غير صحيح لما جاز ذلك.
وهذا الذي قاله ليس بصحيح ، لأنه لا يمتنع أن يتعبد بإجراء أحكام الإسلام عليه ، وان كان إسلامه على وجه من الإلجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب عليه ، كما أنا تعبدنا بإجراء أحكام الإسلام على المنافقين وان كانوا كفارا.
وانما لم يجز قبول التوبة في حال الإلجاء اليها ، لان فعل الملجأ كفعل المكره في سقوط الحمد والذم ، وقد قال الله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (١) وقال (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (٢).
فأما إذا عاد في الذنب ، فلا يعود اليه العقاب الذي سقط بالتوبة ، لأنه إذا تاب منه صار بمنزلة ما لم يعمله ، فلا يجوز عقابه عليه كما لا يجوز عقابه على ما لم يعمله ، سواء قلنا ان سقوط العقاب عند التوبة كان تفضلا أو واجبا.
وقد دل السمع على وجوب قبول التوبة وعليه اجماع الامة وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (٣) وقال (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) (٤) وغير ذلك من الاي.
فصل : قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) الاية : ٩١.
__________________
(١). سورة النساء : ١٧.
(٢). سورة غافر : ٨٤ ـ ٨٥.
(٣). سورة الشورى : ٢٥.
(٤). سورة غافر : ٣.