فان قيل : كيف قال (اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) وعندكم يجوز أن يدخلها الفساق أيضا ، وعند المعتزلة كلهم يدخلها الفساق قطعا ، وهلا قال أعدت للجميع؟
قلنا : أما على ما نذهب اليه ففائدة ذلك اعلامنا أنها أعدت للكافرين قطعا ، وذلك غير حاصل في الفساق ، لأنا نجوز العفو عنهم ، ومن قال أعدت للفساق ، قال : أضيفت الى الكفار (١) ، لأنهم أحق بها وان كان الجميع يستحقونها ، لان الكفر أعظم المعاصي فأعدت النار للكافرين ، ويكون غيرهم من الفساق تبعا لهم في دخولها.
فان قيل : فعلى هذا هل يجوز أن يقال : ان النار أعدت لغير الكافرين من الفاسقين؟
قلنا عن ذلك أجوبة ، أحدها : لا يقال أعدت لغيرهم من الفاسقين ، لان اعدادها للكافرين من حيث كان عقابهم هو المعتمد وعقاب الآخرين له تبع ، كما قال (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ولا خلاف أنه يدخلها الأطفال والمجانين الا أنهم تبع للمتقين ، لأنه لو لا هم لم يدخلوها ، ولا يقال : ان الجنة أعدت لغير المتقين.
الطاعة موافقة الارادة الداعية الى الفعل بطريق الرغبة والرهبة ، ولذلك صح أن يجيب الله تعالى عبده ، وان لم يصح منه أن يطيعه ، لان الاجابة انما هي موافقة الارادة مع القصد الى موافقتها على حد ما وقعت من المريد.
فصل : قوله (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) الاية : ١٣٣.
انما ذكر العرض بالعظم دون الطول ، لأنه يدل على أن الطول أعظم ، وليس كذلك لو ذكر الطول بدلا من العرض ، ومثل الاية قوله و (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٣) ومعناه الا كبعث نفس واحدة.
__________________
(١). في التبيان : الكافرين.
(٢). سورة آل عمران : ١٣٣.
(٣). سورة لقمان : ٢٨.