لأنه هيجان الطبع بكره ما يكون من المعاصي ، ولذلك يقال : غضب الله على الكفار ولا يقال اغتاظ منهم.
وفي الاية دلالة على جواز العفو عن المعاصي وان لم يتب ، لأنها دلت على الترغيب في العفو من غير إيجاب له بإجماع المسلمين.
فصل : قوله (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) الاية : ١٣٦.
المغفرة : تستر الذنب حتى تصير كأنها لم تعمل في زوال العار بها والعقوبة بها ، والله تعالى متفضل بذلك ، لأنا بينا أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل منه تعالى ، فأما استحقاق الثواب بالتوبة فواجب عقلا لا محالة ، لأنه لو لم يكن مستحقا لذلك لقبح تكليفه التوبة ، لما فيها من المشقة والكلفة.
فصل : قوله (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) الاية : ١٣٨.
انما أضيف الى المتقين ، وان كان هدى لجميع المكلفين ، لأنهم المنتفعون به دون غيرهم ، ولا يجوز أن يقال : القران هدى وموعظة للفاجرين الا بتفسير وبيان ، لان في ذلك إبهاما لانتفاعهم به ، فان قيد بأنه دلالة لهم وداع لهم الى فعل الطاعة وذكر ما يزيل الإبهام كان جائزا ، وينبغي أن يتبع في ذلك ما ورد به القرآن (١).
فصل : قوله (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) الاية : ١٤٣.
قوله «رأيتموه» فيه حذف معناه : رأيتم أسباب الموت لان الموت لا يرى.
فان قيل : هل يجوز أن يتمنى قتل المشركين لهم لينالوا منزلة الشهادة؟.
قلنا : لا ، لان قتل المشركين لهم معصية ، ولا يجوز تمني المعاصي ، كما لا يجوز ارادتها ولا الامر بها ، فإذا ثبت ذلك فتمنيهم الشهادة بالصبر على الجهاد الى أن يقتلوا.
والفرق بين التمني والارادة ، أن الارادة من أفعال القلوب ، والتمني هو
__________________
(١). الى هنا انتهى المقابلة مع الجزء الثاني من كتاب التبيان.