في الاية دلالة على فساد مذهب المجبرة ، بأن المعاصي كلها من فعل الله ، لأنه تعالى قال (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ولو لم يكن فعلوه لما كان من عند أنفسهم كما أنه لو فعله لكان من عنده.
فصل : قوله (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) الاية : ١٧٤.
الفرق بين النعمة والمنفعة : أن النعمة لا تكون نعمة الا إذا كانت حسنة ، لأنه يستحق بها الشكر ، ولا يستحق الشكر بالقبيح ، والمنفعة قد تكون حسنة وقد تكون قبيحة ، مثل أن يغصب ما لا ينتفع به ويكون قبيحا.
فصل : قوله (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) الاية» : ١٧٦.
فان قيل : كيف قال (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) والارادة لا تتعلق بألا يكون الشيء ، وانما تتعلق بما يصح حدوثه؟
قلنا : عنه جوابان ، أحدهما : قال ابن إسحاق : يريد الله أن يحبط أعمالهم بما استحقوه من المعاصي والكبائر.
الثاني : ان الله يريد أن يحكم بحرمان ثوابهم الذي عرضوا له بتكليفهم ، وهو الذي يليق بمذهبنا ، لان الإحباط عندنا باطل ليس بصحيح.
فان قيل : كيف قال «يريد الله» وهو اخبار عن كونه مريدا في حال الاخبار ، وارادة الله تعالى لعقابهم تكون يوم القيامة ، وتقديمها على وجه يكون عزما وتوطينا للنفس ، وذلك لا يجوز عليه تعالى؟
قلنا : عنه جوابان ، أحدهما : قال أبو علي : معناه أنه سيريد في الاخرة حرمانهم الثواب لكفرهم الذي ارتكبوه.
والثاني : أن الارادة متعلقة بالحكم بذلك ، وذلك حاصل في حال الخطاب.
وقال الحسن : يريد بذلك فيما حكم من عدله.