لما عصوا وخالفوا استحقوا هذا الخذلان عقوبة لهم على معصيتهم ، فيريدون الدفاع عن قتالهم مع ما حكم الله بضلالهم وخذلانهم.
وقال الجبائي : المعنى ومن يعاقبه الله على معاصيه فلن تجد له طريقا الى الجنة وطعن على الاول من قول البغداديين أن المراد به التسمية والحكم ، فان قال لو أراد ذلك لقال من ضلل الله ، وهذا ليس بشيء ، لأنهم يقولون أكفرته وكفرته وأكرمته وكرمته إذا سميته بالكفر أو الكرم ، قال الكميت :
وطائفة قد أكفروني بحبهم |
|
وطائفة قالوا مسيء ومذنب (١) |
ويحتمل أن يكون المراد وجدهم ضلالا ، كما قال الشاعر :
هبونى امرأ منكم أضل بعيره
أي : وجده ضالا ، ثم يقال لهم : أليس الله قال (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٢) أترى أن الشيطان يخلق فيهم الضلالة؟ بل انما أراد يدعوهم اليها ، ولا خلاف أن الله تعالى لا يدعو الى الضلالة.
ويقوي قول من قال : المراد به التسمية قوله (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) وانما أراد أن يسموهم مهتدين ، لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون ، فحينئذ رد الله عليهم فقال : لا تختلفوا في هؤلاء وقولوا بأجمعهم انهم منافقون ، ولم يكونوا يدعونهم الى الايمان فخالفهم أصحابهم ، فعلم أن الصحيح ما قلناه.
فصل : قوله (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الاية : ٩٢.
قال ابن عباس والشعبي وابراهيم والحسن وقتادة : الرقبة المؤمنة لا تكون الا بالغة قد آمنت وصامت وصلت. فأما الطفل فانه لا يجزئ ولا الكافرة. وقال عطاء :
__________________
(١). خزانة الأدب ٤ / ٢٣٦.
(٢). سورة النساء : ٥٩.