وقال آخرون : من يعمل سوءا من أهل الكتاب يجز به ، ذهب اليه الحسن ، قال : كقوله (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١) وبه قال ابن زيد والضحاك ، وهو الذي يليق بمذهبنا ، لأنا نقطع على أن الكفار لا يغفر لهم على حال ، والمسلمون يجوز أن يغفر لهم ما يستحقونه من العقاب ، فلا يمكننا القطع على أنه لا بد أن يجازي بكل سوء.
فصل : قوله (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) الاية : ١٢٥.
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) يعني : واتبع الذي كان عليه ابراهيم عليهالسلام وأمر به نبيه من بعده وأوصاهم به من الإقرار بتوحيده وعدله وتنزيهه عما لا يليق به.
والحنيفية التي أمر الله نبيه بأن يتبع ابراهيم فيها عشرة أشياء : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، فالتي في الرأس : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك وقص الشارب والفرق لمن يكون طويل الشعر ، والتي في الجسد : فالاستنجاء والختان ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وقص الاظفار. وجميع ذلك مستحب الا الختان والاستنجاء ، فإنهما واجبان عندنا ، وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.
فصل : قوله (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) الاية : ١٢٩.
نفى الله في هذه الاية أن يقدر أحد من عباده على التسوية بين النساء والازواج في حبهن والميل إليهن ، حتى لا يكون قلبه (٢) الى واحدة منهن الا الى مثل ما يميل الى الاخرى ، لان ذلك تابع لما فيه من الشهوة وميل الطبع ، وذلك من فعل الله تعالى ، وليس يريد بذلك نفي القدرة على التسوية بينهن في النفقة والكسوة
__________________
(١). سورة سبأ : ١٧.
(٢). في التبيان : ميله.