صاحب صيد بالكلاب ، وفي ذلك دليل على أن صيد الكلب الذي لم يعلم حرام إذا لم تدرك ذكاته.
وقوله (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) معناه : تؤدبون الجوارح فتعلموهن طلب الصيد لكم مما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم به. وقال بعضهم : معناه كما علمكم الله ، ذهب اليه السدي. وهذا ضعيف ، لان «من» بمعنى الكاف لا يعرف في اللغة ولا بينهما تقارب ، لان الكاف للتشبيه ومن للتبعيض.
واختلفوا في صفة التعليم للكلب ، فقال بعضهم : هو أن يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه ، ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه ، ويستجيب له إذا دعاه ولا يفر منه إذا دعاه ، فإذا توالى منه ذلك كان معلما ، ذهب اليه ابن عباس وعطاء وابن عمر والشعبي وطاوس وابراهيم والسدي. قال عطاء : إذا أكل منه فهو ميتة.
وقال ابن عباس : إذا أكل الكلب من الصيد فلا تأكل منه ، فإنما أمسك على نفسه ، وهو الذي دلت عليه أخبارنا ، غير أنهم اعتبروا أن يكون أكل الكلب للصيد دائما ، فأما إذا كان نادرا ، فلا بأس بأكل ما أكل منه.
وقال أبو يوسف ومحمد : حد التعليم أن يفعل ذلك ثلاث مرات.
وقال قوم : لا حد لتعلم الكلاب ، فإذا فعل ما قلناه فهو معلم ، وقد دل على ذلك رواية أصحابنا ، لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد به جاز أكل ما قتله.
وقد بينا أن صيد غير الكلب لا يحل أكله الا ما أدرك ذكاته ، فلا يحتاج أن يراعى كيف يعلمه ولا أكله منه ، ومن أجاز ذلك أجاز أكل ما أكل منه البازي والصقر ، ذهب اليه عطاء وابن عباس والشعبي وابراهيم ، وقالوا : تعلم البازي هو أن يرجع الى صاحبه.