وقال قوم : جوارح الطير والسباع سواء في ذلك ، ما أكل منه وما لا يؤكل وروي ذلك عن علي عليهالسلام والشعبي وعكرمة وابن جريح.
ومن شرط استباحة ما يقتله الكلب أن يكون صاحبه سمى عند إرساله ، فان لم يسم لم يجز له أكله الا إذا أدرك ذكاته. وحده أن يجده يتحرك عينه أو أذنيه أو ذنبه ، فيذكيه حينئذ بفري الحلقوم والأوداج.
واختلفوا في «من» في قوله (مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) فقال قوم : هي زائدة ، لان جميع ما يمسكه فهو مباح ، وتقديره : فكلوا مما أمسكن عليكم ، وجرى ذلك مجرى قوله (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) (١).
وأنكر قوم ذلك وقالوا : «من» للتبعيض ، ومعنى قوله (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ما يشاؤه ويريده ، فليست «من» هاهنا للتبعيض أيضا.
والأقوى أن تكون في الاية للتبعيض ، لان ما يمسكه الكلب من الصيد لا يجوز أكل جميعه ، لان في جملته ما هو حرام من الدم والفرث والغدد ، وغير ذلك مما لا يحل أكله ، فإذا قال (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أفاد ذلك بعض ما أمسكن ، وهو الذي أباح الله أكله من اللحم وغيره.
ومتى غاب الكلب والصيد عن العين ثم رآه ميتا لا يجوز أن يأكله ، لأنه يجوز أن يكون مات من غير قتل الصيد ، وفي الحديث : كل ما أصميت ولا تأكل ما أنميت فمعنى أصميت أن يصطاد بكلب أو غيره فمات وأنت تراه مات بصيدك.
وأهل الصميان السرعة والخفة. ومعناه ها هنا ما أسرع فيه الموت وأنت تراه ، ومعنى ما أنميت ما غاب عنك فلا تدري مات بصيدك أو بعارض آخر ، يقال نمت الرمية إذا مضت والسهم فيها وأنميت الرمية إذا رميتها فمضت والسهم فيها
__________________
(١). سورة البقرة : ٢٧١.