من قال اقامة الحدود تكفير للمعاصي (١) ، لأنه تعالى مع اقامة الحدود عليهم بين أن لهم في الاخرة عذابا عظيما. ومعنى أن لهم في الاخرة عذابا عظيما انهم يستحقون ذلك ، ولا يدل على أنه يفعل بهم ذلك لا محالة ، لأنه يجوز أن يعفو الله عنهم وينفصل عليهم بإسقاط عقابهم.
فصل : قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) الاية : ٣٤.
استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه ، لان توبته بعد حصوله في قبضة الامام وقيام البينة عليهم بذلك لا تنفعه ووجب اقامة الحد عليه.
واختلفوا في من يدرأ عنه التوبة الحد (٢) ، هل هو المشرك ، أو من كان مسلما من أهل الصلاة؟ فقال الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك : هو المشرك دون من كان مسلما ، فأما من أسلم فانه لا يؤاخذ بما جناه ، الا أن يكون معه عين مال قائمة ، فانه يجب عليه ردها وما عداه يسقط.
وقال الشافعي : توبته عنه حد الله الذي وجب بمحاربته ، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم ، وهو مذهبنا ، فعلى هذا ان أسقط الآدمي حق نفسه ويكون قد ظهرت منه التوبة قبل ذلك ، فلا يقام عليه الحد. وان لم يكن ظهرت منه التوبة أقيم عليه الحد لأنه محارب فيتحتم عليه الحد ، وهو قول أبي علي ، ولا خلاف أنه إذا أصيب المال بعينه في يده أنه يرد الى أهله.
فأما المشرك المحارب ، فمتى أسلم وتاب سقطت عنه الحدود ، سواء كان ذلك منه قبل القدرة عليه أو بعدها بلا خلاف.
فصل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) الاية : ٣٦.
انما نفى أن يقبل منهم فدية من غير تقييد بالتوبة لامرين :
__________________
(١). في «ن» : تكفر المعاصي.
(٢). في التبيان : الحدود.