الشك في الإحراق ، وهذا الوجه اختاره ابن الأخشاد والرماني.
وكان علي بن الحسين المرتضى الموسويّ نظر الله وجهه يقول في مثل ذلك وجها مليحا ، وهو أن قال : قوله «لنعلم» يقتضي حقيقة أن يعلم هو وغيره ، ولا يحصل علمه مع علم غيره الا بعد حصول الاتباع ، فأما قبل حصوله فإنما يكون تعالى العالم وحده ، فصح حينئذ ظاهر الاية.
وهذا وجه رابع ، الا أن قوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) يدل على حدوث العلم ، لأنه كان قبل ذلك عالما بأن الاتباع سيوجد أولا يوجد ، فان وجد كان عالما بوجوده ، وان لم يتجدد له صفة وانما تجدد المعلوم ، لان العلم بالشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد ، وانما يتغير عليه الاسم ، ويجري ذلك مجرى تغير الاسم على زمان بعينه ، بأن يوصف [بأنه غد] قبل حصوله ، فإذا حصل قيل : انه اليوم ، وإذا تقضى وصف بأنه أمس ، فتغير عليه الاسم ، والمعلوم لم يتغير.
وقوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) قيل في معناه أقوال :
أولها : قال ابن عباس وقتادة والربيع : لما حولت القبلة قال ناس : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الاولى؟ وقيل : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك؟ فأنزل الله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
وهذه الاية فيها دلالة على جواز النسخ في الشريعة بل على وقوعه ، لأنه قال : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) فأخبر أن الجاعل لتلك القبلة كان هو تعالى ، وأنه هو الذي نقله عنها ، وذلك هو النسخ.
فان قيل : كيف أضاف الايمان الى الأحياء وهم كانوا قالوا : كيف بمن مضى من إخواننا.
قلنا : يجوز ذلك على التغليب ، لان من عادتهم أن يغلبوا المخاطب على الغائب كما يغلبون المذكر على المؤنث ، تنبيها على الأكمل ، فيقولون : فعلنا بكما وبلغناكما