ذلك لذهولهم من هول ذلك المقام.
فان قيل : كيف يجوز ذهولهم مع أنهم آمنون لا يخافون؟ كما قال (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) (١) وقال (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).
قيل : ان الفزع الأكبر دخول جهنم. وقوله (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) هو كقولك للمريض لا خوف عليك ، ولا بأس عليك ، مما يدل على النجاة من تلك الحال وخالف أبو علي في هذا ولم يجز الا ما نحكيه عنه.
الثاني : قال ابن عباس ومجاهد : في رواية أخرى أن معناه لا علم لنا الا ما علمتنا ، فحذف لدلالة الكلام عليه.
الثالث : قال الحسن : في رواية أخرى وأبو علي الجبائي : ان معناه لا علم لنا بباطن ما أجاب به أممنا ، لان ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء.
فصل : قوله (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) الاية : ١١٠.
قيل : في معنى الكتاب قولان : أحدهما ـ أنه أراد الخط. الثاني : الكتب فيكون على طريق الجنس ، ثم فصله بذكر التوراة والإنجيل.
والخلق هو الفعل المقدر من مقدار يعرفه الفاعل ، فعلى هذا جميع أفعاله تعالى يوصف بأنها مخلوقة ، لأنه ليس فيها شيء على وجه السهو والغفلة ولا على سبيل المجازفة ، ومعنى ذلك أنه خلق من الطين كهيئة الطير ، وسماه خلقا لأنه كان يقدره.
فصل : قوله (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) الاية : ١١٢.
الفرق بين الاستطاعة والقدرة أن الاستطاعة انطباع الجوارح للفعل ، والقدرة
__________________
(١). سورة الأنبياء : ١٠٣.
(٢). سورة آل عمران : ٧٠.