فصل : قوله (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) الاية : ١٩.
قوله (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) وقف تام ، أي : من بلغه القرآن أن الذي أنذرتكم به فقد أنذرته كما أنذرتكم.
فصل : قوله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الاية : ٢٠.
هذه الاية لا بد من أن تكون مخصوصة بجماعة من أهل الكتاب ، وهم الذين عرفوا التوراة والإنجيل ، فعرفوا صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوآله بما كانوا عرفوه من صفاته المذكورة ودلائله الموجودة في هذين الكتابين ، كما عرفوا أبناءهم ، وشبه معرفتهم بمحمد صلىاللهعليهوآله بمعرفتهم أبناءهم في أنها صحيحة لا مرية فيها ، ولم يرد أنهم عرفوا نبوته اضطرارا كما عرفوا أبناءهم ضرورة.
على أن أحدا لا يعرف أن من ولد على فراشه ابنه على الحقيقة ، لأنه يجوز أن يكون من غيره ، وان حكم بأنه ولده لكونه مولودا على فراشه ، فصار معرفتهم بالنبي آكد من معرفتهم لأبنائهم لهذا المعنى.
فصل : قوله (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) الآيتان : ٢٣ ـ ٢٤.
فان قيل : كيف قالوا وحلفوا أنهم ما كانوا مشركين وقد كانوا مشركين؟ وهل هذا إلا كذب؟ والكذب قبيح ، ولا يجوز من أهل الاخرة أن يفعلوا قبيحا ، لأنهم ملجؤون الى ترك القبيح ، لأنهم لو لم يكونوا ملجئين وكانوا مختارين وجب أن يكونوا مزجورين عن فعل القبيح ، والا أدى الى اغرائهم بالقبيح وذلك لا يجوز ، ولو زجروا بالوعيد عن القبائح لكانوا مكلفين ، ولوجب أن يتناولهم الوعد والوعيد ، وذلك خلاف الإجماع ، وقد وصفهم الله تعالى أيضا بأنهم كذبوا على أنفسهم ، فلا يمكن جحد أن يكونوا كاذبين؟ فكيف يمكن دفع ذلك؟ وما الوجه فيه؟.