النبي عليهالسلام إذا كان صادقا ، فمحال أن يقوم على كذبه حجة ، ولم يرد أنهم لا يكذبونه سفها وجهلا به.
والثاني : أنه أراد فإنهم لا يكذبونك بل يكذبوني ، لان من كذب النبي عليهالسلام فقد كذب الله ، لان الله هو المصدق له ، كما يقول القائل لصاحبه : فلان ليس يكذبك وانما يكذبني دونك ، يريد أن تكذيبه إياك راجع الى تكذيبي ، لاني أنا المخبر لك وأنت حاك عني.
فصل : قوله (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) الاية : ٣٨.
في قوله (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) أقوال : أحدها ـ ان قوله (بِجَناحَيْهِ) تأكيد كما يقولون : رأيت بعيني وسمعت بأذني. وربما قالوا : رأت عيني وسمعت أذني ، كل ذلك تأكيد.
وقال الفراء : معنى ذلك أنه أراد ما يطير بجناحين دون ما يطير بغير جناحين لأنهم يقولون : قد مر الفرس يطير طيرا ، وسارت السفينة يطير طيرا ، فلو لم يقل بجناحيه لم يعلم أنه قصد الى جنس ما يطير بجناحيه دون ما يطير بغير جناحين.
فصل : قوله (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الاية : ٣٩.
قوله «من يشأ الله يضلله» هاهنا يحتمل أمرين : أحدهما ـ «من يشأ الله يضلله» أي : من يشأ يخذله ، بأن يمنعه لطائفه وفوائده ، وذلك إذا واتر عليه الادلة وأوضح له البراهين ، فأعرض عنها ولم ينعم النظر فيها ، فصار كالأصم الأعمى ، فحينئذ يشأ أن يضله بأن يخذله.
والثاني : من يشأ الله إضلاله عن طريق الجنة ونيل ثوابها يضلله على وجه العقوبة (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ومعيناه : من يشأ أن يرحمه ويهديه الى الجنة ونيل الثواب يجعله على الصراط الذي يسلكه المؤمنون الى الجنة ،