أنه إذا تاب وبقي بعد التوبة ، فان لم يعمل العمل الصالح عاد الى الإصرار ، لأنه لا يخلو في كل حال من واجب وندب ، من تجديد معرفة الله ومعرفة نبيه ، وغير ذلك من المعارف وكثير من أفعال الجوارح. فأما ان قدرنا اخترامه عقيب التوبة من غير فعل صلاح ، فان الرحمة بإسقاط العقاب تلحقه بلا خلاف.
فصل : قوله (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الاية : ٥٥.
لم يحتج أن يقول : ولتستبين سبيل المؤمنين ، لان سبيل المجرمين إذا بانت فقد بان معها سبيل المؤمنين ، لأنه خلافها ، ويجوز أن يكون المراد ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين ، وحذف احدى الجملتين لدلالة الكلام عليه كما قال (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١) ولم يقل تقيكم البرد ، لان الساتر يستر من الحر والبرد لكن جرى ذكر الحر ، لأنهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة لهم (٢) من البرد.
فصل : قوله (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) الاية : ٥٩.
قد دخل في قوله (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) جميع أصناف الأجسام ، لأنها أجمع لا تخلو من احدى هاتين الصفتين ويجوز أن يكون المراد بذكر الورقة والحبة والرطب واليابس التوكيد في الزجر عن المعاصي والحث على البر والتخويف لخلقه ، بأنه إذا كانت هذه الأشياء التي لا ثواب فيها ولا عقاب عليها محصاة عنده محفوظة مكتوبة ، فأعمالكم التي فيها الثواب والعقاب أولى ، وهو قول الحسن. وقال مجاهد : البر القفار. والبحر كل قرية فيها ماء.
فصل : قوله (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) الاية : ٦٠.
قيل : في معناه قولان : قال الجبائي : يقيضكم. وقال الزجاج : ينيمكم
__________________
(١). سورة النحل : ٨١.
(٢). في التبيان : له.