وقوله (رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أي : طالعا. وقوله للشمس (هذا رَبِّي) وهي مؤنثة معناه : هذا الشيء الطالع ربي ، أو على أنه حين ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم ، فقال لهم : هذا ربي.
وقيل : في معنى هذه الاية وجوه أربعة :
أحدها : ما قاله الجبائي : ان ما حكاه الله عن ابراهيم في هذه الآيات كان قبل بلوغه ، وقبل كمال عقله ولزوم التكليف له ، غير أنه لمقاربته كمال العقل خطرت له الخواطر وحركته الشبهات والدواعي على الفكر فيما يشاهده من هذه الحوادث فلما رأى الكوكب ـ وقيل : انه الزهرة ـ بان نوره مع تنبهه بالخواطر على الفكر فيه وفي غيره ظن أنه ربه ، وأنه هو المحدث لمشاهده (١) من الأجسام وغيرها.
(فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) لأنه صار منتقلا من حال الى حال ، وذلك مناف لصفات القديم «فلما رأى القمر بازغا» عند طلوعه ، أي : رأى كبره واشراقه وما انبسط من نوره في الدنيا «قال هذا ربي» فلما راعاه وجده يزول ويأفل ، فصار عنده بحكم الكوكب الذي لا يجوز أن يكون بصفة الاله لتغييره وانتقاله من حال الى حال ، فلما أكمل الله عقله ضبط بفكره النظر في حدوث الأجسام ، بأن وجدها غير منفكة من المعاني المحدثة ، وأنه لا بد لها من محدث قال حينئذ لقومه (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الى آخرها.
والثاني : ما قاله البلخي وغيره من أن هذا القول من ابراهيم في زمان مهلة النظر ، لان مهلة النظر مده الله العالم بمقدارها ، وهي أكثر من ساعة.
وقال البلخي : وأقل من شهر ، ولا يدرى ما بينهما الا الله ، فلما أكمل الله عقله وخطر بباله ما يوجب عليه النظر وحركته الدواعي على الفكر والتأمل له قال ما حكاه الله ، لان ابراهيم عليهالسلام لم يخلق عارفا بالله ، وانما اكتسب المعرفة لما أكمل
__________________
(١). في التبيان : لما شاهده.