ثم قال تحبها قلت بهرا |
|
عدد القطر والحصى والتراب (١) |
فان قيل : حذف حرف الاستفهام انما يجوز إذا كان في الكلام عوض منه نحو «أم» الدالة عليه ولا يستعمل مع فقد العوض ، وفي الأبيات عوض عن حرف الاستفهام ، وليس ذلك في الاية.
قلنا : قد يحذف حرف الاستفهام مع ثبوت العوض تارة ، وأخرى مع فقده إذا زال اللبس ، وبيت ابن أبي ربيعة ليس فيه عوض ولا فيه حرف الاستفهام ، وإذا جاز أن يحذفوا حرف الاستفهام لدلالة الخطاب ، فألا جاز أن يحذفوا لدلالة العقل ، لان دلالة العقل أقوى من غيرها.
والرابع : أن ابراهيم قال ذلك على وجه المحاجة لقومه بالنظر ، كما يقول القائل : إذا قلنا ان لله ولدا لزمنا أن يكون له زوجة وأن يطأ النساء وأشباه ذلك. وليس هذا على وجه الإقرار والاخبار والاعتقاد لذلك ، بل على وجه المحاجة ، فيجعلها مذهبا ليرى خصمه المعتقد لها فسادها.
وقوله «اني وجهت وجهي» معناه : أخلصت عبادتي وقصدت بها الى الله الذي خلق السماوات والأرض. ومعنى الحنيف المائل الى الاستقامة على وجه الرجوع فيه.
فصل : قوله (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الاية : ٨١.
قوله (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أى : حجة ، لان السلطان هو الحجة في أكثر القرآن ، وذلك يدل على أن كل من قال قولا واعتقد مذهبا بغير حجة مبطل.
وقوله «ان كنتم تعلمون» معناه : ان كنتم تستعملون عقولكم وعلومكم.
وفي الاية دلالة على فساد قول من يقول بالتقليد وتحريم النظر والحجاج ، لان الله تعالى مدح ابراهيم لمحاجته لقومه وأمر نبيه بالاقتداء به في ذلك ، فقال
__________________
(١). ديوان ابن أبى ربيعة ص ١١٧ ، وفيه «النجم» بدل «القطر».