فصل : قوله (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الاية : ١٢٥.
قوله (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) يعني يعاقبه ، أو يعدل به عن طريق الجنة يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يفعل ما يعجز عنه ولا يستطيعه لثقله عليه.
وقوله (يَصَّعَّدُ) من المشقة وصعوبة الشيء ، ومن ذلك قوله (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) (١) وقوله «سأرهقه صعودا» (٢) أي : سأغشيه عذابا صعودا ، أي : شاقا.
وأما قوله (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) فانه يحتمل أمرين :
أحدهما : التسمية كقوله (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٣) أي : سموهم بذلك ، فكذلك يسمى القلب ضيقا لمحاولته الايمان وحرجا عنه.
والاخر : الحكم كقولهم اجعل البصرة بغداد ، وجعلت حسني قبيحا ، أي : كمت بذلك ، ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به الخلق ، ولا الذي يراد به الإلقاء ، كقولك جعلت متاعك بعضه على بعض ، وقوله (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) (٤).
وقيل : في معنى الهداية والإضلال في الاية قولان :
أحدهما : أن يريد بالهدى تسهيل السبيل الى الإسلام بالدلائل التي ينشرح بها الصدر والإضلال تصعيب السبيل اليه بالدلائل التي يضيق بها الصدر ، لان حاله أوجبت تغليظ المحنة عليه من غير أن يكون هناك مانع له ولا تدبير غيره أولى منه ، وانما هو حض على الاجتهاد في طلب الحق حتى ينشرح بالدلائل الصدر.
__________________
(١). سورة الجن : ١٧.
(٢). سورة المدثر : ١٧.
(٣). سورة الزخرف : ١٩.
(٤). سورة الانفال : ٣٨.