بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) قولان :
أحدهما : ان المعاند لا تنفعه الدلالة ، لأنه عارف. والاخر أنه لا لطف لهم فيكتمه (١) ليؤمنوا. وعلى القولين فيه دلالة على فساد قول أصحاب اللطف ، لان مخرجه مخرج التنصل من التخليف عنهم ما يؤمنون عنده طوعا.
فصل : قوله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الاية : ١٤٦.
أخبر الله عن أهل الكتاب أنهم يعرفون النبي عليهالسلام ، كما يعرفون أبناءهم وان جماعة منهم يكتمون الحق مع علمهم بأنه حق.
وقوله «وهم يعلمون» يحتمل أمرين ، أحدهما : يعلمون صحة ما كتموه. والثاني : يعلمون ما لمن دفع الحق من العقاب والذم.
فصل : قوله (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) الاية : ١٥٠.
قيل : فيه أربعة أقوال : أحدها أنه استثناء منقطع ، و «الا» بمنزلة «لكن» كقوله (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) (٢) وكقولك : ما له علي حق الا التعدي والظلم ، كأنك قلت : لكن يتعدى ويظلم ، ويضع ذلك موضع الحق اللازم ، فكذلك «لكن الذين ظلموا منهم» فإنهم يتعلقون بالشبهة ، ويضعونها موضع الحجة فلذلك حسن الاستثناء المنقطع. وقال النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب (٣) |
__________________
(١). في «م» والتبيان : فتلتمسه.
(٢). سورة النساء : ١٥٦.
(٣). اللسان «فلل» و «قرع» فلول السيف : كسر من حده. القرع : الضرب الشديد. الكتائب جمع كتيبة ، وهي فرقة من الجيش المصفح.