جعل ذلك عيبهم على طريق البلاغة ، وان كان ليس بعيب ، كأنه يقول : ان كان فيهم عيب فهذا ، وليس هذا بعيب ، فاذن ليس فيهم عيب ، فكذا ان كان على المؤمنين حجة ، فللظالم في احتجاجه ، ولا حجة لهم ، فليس اذن عليهم حجة.
وثانيها : ما قاله أبو عبيدة ان «الا» هاهنا بمعنى الواو ، كأنه قال : لئلا يكون للناس عليهم حجة ولا للذين (١) ظلموا منهم.
فصل : قوله (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) الاية : ١٥٤.
فان قيل : هل الشهداء أحياء على الحقيقة أم معناه أنهم سيحيون وليس أحياء؟
قلنا : الصحيح أنهم أحياء الى أن تقوم الساعة ، ثم يحييهم الله في الجنة ، لا خلاف بين أهل العلم فيه الا قولا شاذا من بعض المتأخرين. والاول قول الحسن ومجاهد وقتادة والجبائي وابن الأخشاد والرماني وجميع المفسرين.
واستدل أبو على الجبائي على أنهم أحياء في الحقيقة بقوله «ولكن لا تشعرون» فقال : لو كان المعنى سيحيون في الاخرة لم يقل للمؤمنين المقرين بالبعث والنشور «ولكن لا تشعرون» لأنهم يعلمون ذلك ويشعرون به.
فان قيل : ولم خص الشهداء بأنهم أحياء؟ والمؤمنون كلهم في البرزخ أحياء.
قيل : يجوز أن يكونوا ذكروا اختصاصا وتشريفا لهم ، وقد يكون على جهة التقديم للبشارة بذكر حالهم ، ثم (٢) البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون ، كما قال تعالى (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٣).
__________________
(١). في التبيان : والذين.
(٢). في التبيان : في.
(٣). سورة آل عمران : ١٦٩.