على طريق الحق ليصد عنه بالإغواء حتى يصرفه الى طريق الباطل عداوة له وكيدا.
فصل : قوله (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الاية : ١٩.
نهاهما على وجه الندب ألا يقربا شجرة مخصوصة ، وعندنا أن ذلك لم يكن محرما عليهما ، بل نهاهما نهي تنزيه دون حظر ، وبالمخالفة فاتهما ثواب كثير ، وان لم يفعلا بذلك قبيحا ولا أخلا بواجب.
ومعنى الظالمين على مذهبنا هاهنا المراد به الباخسين نفوسهم ثوابا كثيرا والمفوتين نعيما عظيما ، وعلى مذهب من يقول بأن ذلك كان صغيرا وقعت مكفرة لا بد أن يحمل الظلم هاهنا على نقصان الثواب الذي انحبط بمقاربة الصغيرة له.
فأبو علي ذهب الى أن ذلك وقع منه نسيانا. وقال البلخي : وقع منه تأويلا لأنه نهى عن جنس الشجرة ، فتأوله على شجرة بعينها ، وهذا خطأ ، لان ما يقع سهوا أو نسيانا لا يحسن المؤاخذة به. وأما الخطأ في التأويل ، فقد زاد من قال ذلك قبيحا آخر ، أحدهما ارتكاب المنهي ، والثاني الخطأ في الدليل (١) به.
فصل : قوله (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) الاية : ٢٠.
الوسوسة : الدعاء الى أمر بضرب خفي ، كالهينمة (٢) والخشخشة ، قال الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت |
|
كما استعان بريح عشرق زجل |
ولم يقصد آدم وحواء عليهماالسلام بالتناول من الشجرة القبول من إبليس والطاعة له ، بل انما قصدا عند دعائه شهوة نفوسهما ، ولو قصدا القبول منه لكان ذلك قبيحا لا محالة.
__________________
(١). في التبيان : التأويل.
(٢). في التبيان : كالهمهمة.