وما يكون الشك فيه لا يمنع من العلم بصحة السمع ، وذلك يجوز في الرؤية التي لا تقتضي التشبيه ، لان الشك فيها لا يمنع من العلم بصحة السمع.
وانما يمنع من ذلك سؤال الرؤية التي تقتضي الجسمية والتشبيه ، لان الشك في الرؤية التي لا تقتضي التشبيه مثل الشك في رؤية الضمائر والاعتقادات وما لا يجوز عليه الرؤية.
وليس كذلك الشك في كونه جسما أو ما يتبع كونه جسما من الصعود والنزول لان مع الشك في كونه جسما لا يصح العلم بصحة السمع من حيث أن الجسم لا يجوز أن يكون غنيا ولا عالما بجميع المعلومات.
وكلاهما لا بد فيه من العلم بصحة السمع ، فلذلك جاز أن يسأل الرؤية التي لا توجب التشبيه ، ولم يجز أن يسأل كونه جسما وما أشبهه.
والجواب الثالث : أنه سأل العلم الضروري الذي يحصل في الاخرة ولا يكون في الدنيا ، لتزول عنه الخواطر والشبهات ، وللأنبياء أن يسألوا ما يزول عنهم معه الوساوس والخطرات ، كما سأل ابراهيم ربه ، فقال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (١)
وقوله «لن تراني» جواب من الله تعالى لموسى أنه لا يراه على الوجه الذي سأله ، وذلك دليل على أنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الاخرة ، لان «لن» تنفي على وجه التأييد ، كما قال (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (٢).
وهذا انما يمكن أن يعتمده من قال بالجواب الاول ، فأما من قال : انه سأل العلم الضروري لا يمكنه أن يعتمده ، لان ذلك يحصل في الاخرة.
وقوله (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) معناه : ان استقر الجبل في حال ما جعله دكا متقطعا فسوف تراني ، فلما كان ذلك محالا ، لان الشيء لا يكون متحركا ساكنا
__________________
(١). سورة البقرة : ٢٦٠.
(٢). سورة الجمعة : ٦.